الاثنين، 12 مايو 2014

إنها معركتنا كلّنا؟!



إنها معركتنا كلّنا؟!
لمى خاطر


لعلّ أكثر ما يؤسف بعد مرور نحو 20 يوماً على إضراب الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال أن هناك من يتعامل مع الأمر باعتباره متعلقاً فقط بالفئة التي حملت لواء هذا الإضراب، أو من يظنّ أن مطالب الإضراب مطلبية؛ هدفها تحسين ظروف الاعتقال.

لفهم خطر الاعتقال الإداري على مسار مشروع التحرر الوطني في فلسطين، علينا أن نلاحظ أن الفئة التي يستهدفها هي بالدرجة الأولى تلك التي تحظى بحضور واسع في أوساط الجماهير، أو التي تملك مفاتيح التأثير، أو التي يساهم وجودها خارج السجن في استنهاض الروح الوطنية للناس، وتوجيه حراكهم، وضبط إيقاع المسير، خصوصاً في المراحل الفاصلة.

ومن جرّب الاعتقال الإداري، أو من كان ضحية غير مباشرة له، يعرف جيداً كيف يعدّ هذا النوع من الاعتقال في سجون الاحتلال وصفة إماتة بطيئة للفعل الوطني، وتفتيت للإرادة، عبر استنزاف عمر الأسير في السجن أو تركه خارجه منتظراً اعتقاله التالي، كونه يتم دون محاكمة، وفقاً لاتهامات لا يطلع عليها الأسير أو محاميه، وتظل رهن ما يُعرف بالملف السري. أي أن الأسير عملياً لا يعرف سبب اعتقاله، مما يُبقيه أسير هواجس كثيرة إضافة لقضبان زنزانته. إضافة إلى تحوّل الاعتقال الإداري ذاته إلى هاجس للأسير بعد خروجه، الأمر الذي يبقيه رهن التوقّعات الدائمة بالاعتقال على خلفية أي نشاط وطني أو تنظيمي.

ولذلك، فإن معركة الإضراب الحالي مهمة ومصيرية، ويُفترض أن تكون محل اهتمام كل فلسطيني صاحب حسّ وطني، لأن فدائيي الإضراب لا يخوضونه لأجل أنفسهم فقط بل في سبيل وضع حدّ لملف الاعتقال الإداري كلّه.. وبالتالي، بناءً على حجم التفاعل الخارجي مع هذه القضية سيكون حجم إنجازات المضربين، ومن لا يملك خوض المعركة بأمعائه يمكنه خوضها بأشكال أخرى خارج السجن، على أمل أن يصنع ذلك الجهد الجماعي المتنوّع انتصاراً حقيقياً يكلّله وضع حد لسياسة الاعتقال الإداري، على أمل أن يسهم التخلّص منه أو تقنينه في إحداث أثر إيجابي على أرض الواقع في الفترة القادمة.

من جهة أخرى، ولأن سؤال الجدوى ما زال قائما، حول فائدة الجهود الميدانية أو الإعلامية والإلكترونية، فحتى لو افترضنا جدلاً أنها لن تضيف شيئاً ملموساً للأسرى في قضيتهم، فيكفي ما ستضيفه لنا نحن، ولكل المنخرطين فيها والساعين لتوسيع دائرتها، لأن حال الواقفين خارج حدود الزنازين يقول إنهم أسرى سجون من نوع آخر؛ أسرى الضعف والوهن وقلة الحيلة واللامبالاة وجمود الحس الوطني، وانخفاض منسوب الانتماء العام.

وكل هذه الآفات لا يداويها إلا حراك ميداني متواصل، ولا ينهض بروح الجماهير إلا أن تعود ذاكرة الفداء إليها، لتعي أنها ما زالت تواجه احتلالاً وتعاني من تبعاته، وتحتاج لأن تجمع شتات طاقاتها وتجهز نفسها لجولة مواجهة جديدة معه ستأتي عاجلاً أم آجلا.

الاثنين، 5 مايو 2014

الأسرى والشارع، من يملك الحسم؟



الأسرى والشارع، من يملك الحسم؟
لمى خاطر



كنت كتبتُ قبل يومين: "إن قضية مثل إضراب الأسرى في سجون الاحتلال لا تتكرر كثيراً، والإضراب الجماعي السابق كان قبل عامين.. أي أنها تستحقّ أن يستنفر المرء نفسه وأهله لأجلها، ويتخلّى لعدة أيام عن راحته ونمط حياته الاعتيادي للمشاركة اليومية في إسناد الأسرى ميدانيا إلى أن تتحقق مطالبهم.. وإن كان العوام يشقّ عليهم ذلك، فصاحب القضية وحامل الفكرة لا يُقبل منه سلوك مماثل، ولا أن يتذرّع بأعشار الأعذار للتخلّف عن التضامن والمساندة وتكثيف رسالة الميدان."

وحتى الآن، لا نملك القول إن تفاعل الشارع الفلسطيني على وقع إضراب الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال مشابه لتفاعله خلال إضراب الكرامة عام 2012، رغم أن الأسرى المضربين في رسائلهم يعوّلون على نصرة الشارع وتضامنه، وتفعيله اليومي للحدث بحيث يتقدّم في الأولويات الوطنية على غيره في هذه المرحلة، لأن الوقت عامل مهم في الإضراب، ولا يحتمل الأمر انتظاراً وتململاً لارتباط القضية بحياة الأسير وصحته، وضرورة دعمه وتوفير عوامل ضغط إضافية على الاحتلال لإرغامه على الرضوخ لمطالب المضربين، خصوصاً أن قضية الاعتقال الإداري تمسّ قطاعاً عريضاً من الفلسطينيين ممن اكتووا بناره سنوات طويلة في السجون على مدار مراحل الصراع مع الاحتلال.

وإن كانت غايات ورسائل الفعاليات الجماهيرية متنوعة، بين التضامن والتفعيل الإعلامي والدعم المعنوي واستنهاض الشارع، وصولاً إلى الضغط على الاحتلال، فإن الغاية الأخيرة (أي الضغط على المحتل) ينبغي أن تظل في بؤرة الاهتمام والتفكير، إلى جانب الغايات والرسائل التي تؤديها الفعاليات التي مجالها مراكز المدن والبلدات المخيمات.

غير أن تقصير أيام الإضراب يمكن أن يبدأ مع امتداد تحرك الشارع إلى حواجز الاحتلال ومناطق التماس، لأنه في هذه الحالة سيضرب على الوتر الأكثر حساسية لدى الاحتلال وسيوقظ هواجسه الأمنية، وتحديداً خشيته من اندلاع انتفاضة جديدة، وانفلات الأوضاع وخروجها عن السيطرة. لكن الغريب أن تجد من يرى في هذا النمط من التحرك خروجاً عن السلمية، فيما يبدو أن مفهوم المقاومة السلمية في عرف السلطة في الضفة لا يعني سوى أن تكتفي بشتم الاحتلال داخل المدن، وبعيداً عن التماس المباشر معه!

ومن جهة أخرى، فإن لم تتطور تحركات الشارع وتستقطب قطاعات واسعة من الجمهور، سواء بأشكالها التضامنية أم بتلك الضاغطة على الاحتلال، فسيبقى الرهان الحقيقي في هذه المعركة متركزاً على أمعاء الأسرى المضربين وصبرهم وقوّة تحملهم، وسيكون مفتاح الحسم بيدهم وحدهم رغم أن معركتهم ستكون طويلة وشاقة. أما إن شهد الشارع انتفاضة حقيقية لأجل الأسرى فسيكون ممكناً التعويل على دور حاسم له، وسيكون ممكناً أيضاً الاستبشار بإمكانية حدوث انتفاضة شعبية واسعة فيما بعد، تكسر حالة الجمود وتفرض وقائع جديدة. وإلا فسيبقى التعويل على الدور الشعبي مجرد أوهام وأمنيات، وسيكون من الأجدى النظر في آليات تغيير أكثر جدوى وفاعلية، ليس فقط فيما يخصّ قضية الأسرى، بل تجاه مجمل قضية الصراع مع المحتل.