"توحّدنا المقاومة وتفرّقنا المساومة"
لمى خاطر
كانت تلك العبارة أثقل وأهمّ ما تحدث به رئيس الوزراء إسماعيل هنية
ولخّص بها رسائل حماس وحال فلسطين، خلال كلمته في مهرجان الحركة في غزة في الذكرى
العاشرة لاستشهاد قادتها، لأنها عبارة أثبتت صحّتها التجارب، وخلُصت إليها مسيرة
الفلسطيني منذ احتلال وطنه وحتى اليوم.
وبالتوقف عند حادثة استشهاد القسامي حمزة أبو الهيجا في جنين، مع
رفيقيه يزن جبارين، ومحمد أبو زينة، سنكتشف من جديد أن الرصاص المقاوم سرعان ما
يذيب الخلافات وينفي التمايز بين الخصوم، على قاعدته وتحت ظلاله، وأن غالبية
الفلسطينيين لم تتخلّ عن تقديرها لخطّ المقاومة وإيمانها به دون إكراه، باستثناء
الفئة التي تتعارض مصالحها السياسية أو الاقتصادية بشكل مباشر مع هذا النهج.
وما كان للفلسطينيين أن يختلفوا حد المفاصلة لو لم يُفسد مشروع
التسوية روح النضال وما يتطلّبه من وحدة أو توافق، بل ما كان للانقسام أن يحدث لو
لم يُهدد مشروع المقاومة في حاضنته الأهم (غزة)، وهو ما استوجب قطع اليد التي
مسّتها بسوء، ودحر المرتبطين أمنياً بالاحتلال، في سبيل حماية المقاومة وصون
سلاحها.
ولذلك، يُخطئ من يصوّر الانقسام على أنه حاصل داخل الشعب، لأن
الانقسام والمفاصلة هنا هي بين تيارين، الأول يمثل نهج المقاومة ويحظى بتأييد
غالبية الفلسطينيين، والثاني يمثل فئة محدودة لكنها تحتكر القرار والهيمنة على
المؤسسات الفلسطينية التقليدية، وتقيّد أتباعها بمنظومة المصالح المرتبطة بمشروعها
التفريطي.
وهذا المشروع أحدث شرخاً في القيم والمفاهيم وأفسد أجواء النضال
العامة وقهر روح الانتماء الحقيقية، وصدّر إلى واجهة الاهتمام قضايا تافهة وشؤون
معيشية، فيما غابت القضية الأولى عن اهتمامه والمتمثلة بالاحتلال وضرورة مواجهته
أو تيسير السبل لذلك.
لم تتحوّل السلطة في الضفة بين يوم وليلة إلى ذراع أمنية مكرّسة
لحماية الاحتلال، بل حدث هذا على مراحل، لأن إنكار فعلها ومواجهة مشروعها كان
خجولاً منذ البداية، ولأنها بدورها استقوت بالاحتلال على قمع معارضيها وتحييدهم عن
دائرة القرار، ثم حصارهم بعد فوز حماس في الانتخابات، ولعل فصائل العمل الوطني
الأخرى تتحمّل مسؤولية كبيرة عن وصول الأمور لهذا الحد لأنها عزفت على وتر
الانقسام أكثر مما يجب، ومارست النفاق السياسي والانتهازية عندما حاولت رفع
شعبيتها وتنزيه نفسها عن طريق إدانة النهجين (المقاومة والتسوية) بصورة متساوية،
فاستفادت من ذلك السلطة في الضفة واتخذت من هذه المواقف الخائبة ستاراً لحربها
الاستئصالية ضد المقاومة.
المطلوب اليوم، أن تترجم متطلبات عبارة الأستاذ إسماعيل هنية عملياً
من خلال المواقف السياسية لحركة حماس وسواها من الفصائل المنحازة للمقاومة، فلا
يصحّ الاستمرار في طرح التصوّرات ذاتها حول موضوع الانقسام وسبل معالجته، بل لا بد
من خطوة سياسية جريئة تحدد معايير التوافق والقاعدة التي ينبغي أن يتأسس عليها،
والتي لا يجوز أن تستوعب توافقاً مع المفرّطين ومحاربي المقاومة، أو تزيين الشراكة
السياسية معهم، وبغير هذا ستظل الحرب على المقاومة دائرة، وسيظل التناقض في
المواقف سيّد الموقف. ذلك أن أعجب ما تكتنفه الحالة الفلسطينية أن نهج التسوية
المرفوض شعبياً ما زال متحكماً بالقرار ويحظى بإقدام راسخة داخل المشهد الفلسطيني،
ولن ينتهي هذا العبث إن ظلّت إدانة هذا النهج مقتصرة على التصريحات، ولم يترتب
عليها خطوات سياسية موحّدة يضع اللبنة الأولى في بنيان تأسيس شرعية جديدة تقوم على
حماية المقاومة والحفاظ على الثوابت.
من أجمل ما قرأت
ردحذف