في الجامعات الفلسطينية، الإصرار في مواجهة العربدة
لمى خاطر
قد يبدو غير يسير للمتابع عن بعد فهم الأسباب التي تقف خلف إعلان
الاستنفار داخل مؤسسات السلطة وحركة فتح خلال فترة الانتخابات الجامعية في الضفة
كلّ عام، ذلك أن الحدث بمحلّيته ومحدوديته وانحصار إفرازاته داخل أسوار الجامعات
لا يبرّر أن تتجند المؤسستان السياسية والأمنية في الضفة لدعم حركة الشبيبة في
الجامعات في مواجهة الكتلة الإسلامية، وبهدف تحصيل فوز أو تفوّق على الكتلة بأيّ
ثمن، حتى لو تطلّب الأمر إنفاق عشرات آلاف الدولارات كمنح وهدايا لمن ينتخبون
الشبيبة أو إجبار الطلبة المستفيدين منها على تصوير أوراق انتخابهم بالجوالات، أو
تعطيل العمل يوم الانتخاب داخل المقرّات الأمنية وتوظيف سياراتها لنقل منتخبي
الشبيبة، إضافة للحصول على قوائم بأسماء جميع الطلاب والاتصال على ذوي عدد من طلاب
الكتلة لإرغامهم على عدم إرسال أبنائهم أو بناتهم للانتخاب!
ورغم أن الوسائل أعلاه لا تؤثر في قناعات جميع الطلاب، ولا تنجح بشكل
مطلق، إلا أنها تشير بوضوح إلى تقزّم اهتمامات حركة فتح من جهة، وإلى هلع سلطتها
من أية فرصة تتيح لخصومها التقدّم أو إعادة التواصل مع الجمهور الفلسطيني، ولو على
نطاق الجامعات.
وهناك سبب مركزي آخر لهذا الاستنفار وهو الخشية من تحييد عامل الترهيب
وفقدانه مفعوله، وخصوصاً في وعي جيل طلبة الجامعات، لأن بقاء هذا العامل يترتّب
عليه إبقاء الكتلة الإسلامية منبوذة، ولا سيما حين تكون هناك تبعات لمؤازرتها أو
الانتظام في صفوفها كالحرمان من الوظيفة الحكومية لاحقاً أو عدم التمتع
بالامتيازات التي يحظى بها منتسبو الشبيبة والمصفقون لها!
ومع أن كل إجراءات محاربة النشاط الطلابي داخل الجامعات خصوصاً للكتلة
الإسلامية تصبّ في صالح الاحتلال، وتجري وفق قوانينه، ورغم أن كل طالب تعتقله
السلطة على خلفية نشاطه لا بد أن يعتقله الاحتلال فور خروجه ليجد ملفه جاهزاً لدى
المخابرات الإسرائيلية، إلا أن همّ حركة فتح وسلطتها الأبرز يبقى إدامة استفرادها
بالحضور في الواقع الفلسطيني والهيمنة على الوعي العام، والسماح فقط بوجود الحركات
ضعيفة التأثير كديكور لديمقراطيتها المزعومة، وكغطاء لأكاذيب احترامها الحريات
وحقوق العمل السياسي والتنظيمي.
وإن هذا الإرث القمعي البغيض الذي توارثته حركة فتح منذ محاولات
احتكارها قرار النضال، والقرار السياسي، والتفرد بإدارة المؤسسات الفلسطينية
كلّها، ليس متوقّعاً أن يتفكك أو يقلّ منسوبه حين تكون الساحة خالية لها، وحين
تستفيد بشكل مباشر من ملاحقة الاحتلال الشرسة لخصومها وتجريم جميع أشكال نشاطهم
حتى لو كانت طلابية أو إغاثية.
غير أن هذا يتطلب في المقابل، ومن الكتلة الإسلامية تحديداً أن تتمدد
وتوسع دائرة المستهدفين بنشاطها وخطابها، بحيث تصل إلى الجميع وليس فقط المنتظمين
في صفوفها أو المؤيّدين نهجها. ولعلّ انتهاجها هذا التوجّه في كثير من الجامعات
مؤخراً كان ما قرع ناقوس استشعار الخطر داخل أروقة الأجهزة الأمنية لحركة فتح التي
تخصّصت أيما تخصص في ملاحقة حماس وعرقلة نشاطاتها مهما كانت بسيطة ومحدودة!
وبموازاة الجانب النقابي الذي يجب أن يكون متصدراً أولويات الكتلة
الإسلامية في الجامعات، فإن عملية تأهيل الطالب فكرياً وتوعيته بوزن صوته ورأيه،
وتدريبه على تحدي القمع والتمرد على الابتزاز يُفترض أن تبدأ من الجامعة، وهذا
يتطلب أن يشاهد الطالب أمامه في الساحة الجامعية نماذج رائدة تحمل لواء الإصرار
على العمل وتنتزع حقّها في العمل الطلابي رغم المضايقة التي تصل حد الاعتقال أو
تجميد النشاط بقرار أمني متعسّف تتولاه أحياناً إدارة الجامعات التي يخضع كثير منها
لهيمنة الأجهزة الأمنية وتوجيهاتها!
ولذلك تبدو مهمة الكتلة الإسلامية في هذه المرحلة مركزية ومهمة،
وستُبنى عليها خطوات التغيير اللاحقة، رغم أن تجلّيات أثرها بدأت بالظهور منذ نبذ
خيار الانحناء أمام العاصفة أو مجاراة واقع القمع والترهيب. فهذا الجيل الجديد الذي
يناضل ويصرّ على تحصيل مساحته وحقّه رغم محاربته على جبهتين يبدو جديراً بالثقة
وأهلاً لحمل المسؤوليات الصعبة، والإصرار على الاستمرار، بعد إدراكه أن هذه
الصعوبات التي تواجه مسيرته هي جزء أساسي منها وسترافقها طوال الطريق، ما دام يحمل
رسالة ذات أثر وتبشّر بالتغيير.
الدولة مقابل الطلبة .
ردحذف