ما لم ترصده الكاميرا
لمى خاطر
ليس مستغرباً حدوث ضجة كبيرة بعد عرض الفيديو الذي أظهر عناصر أجهزة
السلطة وهي تعتدي بالضرب المبرح على فتى فلسطيني في بيت لحم، خلال مشاركته في
فعاليات نصرة المسجد الأقصى يوم الجمعة الماضي. مردّ موجة الاستنكار والغضب التي
أعقبت نشر الفيديو ليس فقط وحشية الاعتداء، بل كذلك لأن سببه محاولات السلطة قمع
جميع مظاهر نصرة المسجد الأقصى، في وقت يتعرض فيه الأخير لأخطار كبيرة، وهو ما
يعني أن التحرك للذود عنه واجب ديني ووطني يجب ألا يقابَل بالمنع من أية جهة
فلسطينية مهما كانت المبررات.
لكن هذه الحادثة لم تكن الوحيدة، وليست الأولى ولا الأخيرة، فنهج
أجهزة السلطة في السنوات الأخيرة اقتضى تحوّلها إلى أداة قمع تنوب عن الاحتلال في
التعامل مع الشارع الفلسطيني في الضفة لإجهاض بوادر تحركه في مناصرة أية قضية
وطنية.
ولو استعرضنا سجّل السلطة القمعي (تحديداً خلال الأعوام الثمانية
الأخيرة) فسنجده حافلاً بجميع أشكال القمع والانتهاك، وهو قمع لا يطال حماس فقط
ونشاطها كتنظيم محظور، بل يتعدّاه للعدوان على كل تحرّك من شأنه أن يمسّ بأمن
الاحتلال، وما قمع تظاهرات نصرة غزة في حرب الفرقان عنا بعيد، ومثله قمع فعاليات
التضامن مع الأسرى الإداريين، والاعتداء على مظاهرات التضامن مع غزة ثم المسجد
الأقصى العام الماضي، لدرجة أن إحدى تظاهرات نصرة الأقصى في الخليل أواخر عام 2014
تم قمعها من قبل الاحتلال وأجهزة السلطة في وقت واحد، وكان المتظاهرون لا يعرفون
مصدر قنابل الغاز التي تتساقط عليهم يومها، إن كانت من الاحتلال أم السلطة. وفي
يوم الجمعة الماضي في مدينة الخليل أيضاً كانت أجهزة السلطة تنصب الحواجز على
مفترقات الطرق المؤدية إلى مكان انطلاق مظاهرة نصرة الأقصى، رغم أنها كانت في
منطقة تماس مع الاحتلال وليست في مناطق السلطة، وتم احتجاز عدد من الشباب
والاعتداء عليهم وإهانتهم ومصادرة جوالاتهم، لأن الهدف كان محاولة منع أكبر عدد من
المواطنين من المشاركة في المظاهرة، وإبقاء التفاعل مع قضية الأقصى متواضعاً
وبارداً ولا يؤسس لحراك مستمر، ستتضرر منه السلطة بقدر ما يتضرر الاحتلال.
ولذلك فإن محاولة التستر على هذه الجرائم عبر الادعاء بأن حادثة بيت
لحم كانت فردية لن تسعف السلطة للتعمية على عارها المقيم، كلّ ما في الأمر أن
اعتداء بيت لحم رصدته عين الكاميرا ووثقته ونجح في الخروج إلى العلن، مع العلم أن
حوادث قمع كثيرة كان يتم توثيقها ثم تقوم أجهزة السلطة بمصادرة المواد التي تم
تصويرها من كاميرات الصحفيين بعد اعتقالهم من مكان الحدث.
ورغم فداحة جريمة بيت لحم وغيرها، ما زلنا نجد من بين نخب الإعلاميين
والكتاب والحقوقيين من يتماشى مع رواية السلطة ويسوّق لها محاولاً التخفيف من
دلالاتها وتلميع وجه الأجهزة الأمنية في المقابل، عبر التأكيد على وطنية دورها،
رغم أن واقعها يعاكس ذلك، منذ أن بات حفظ أمن الاحتلال الأولوية الوحيدة في عرفها.
ولكن لأن الشمس لا تُغطى بغربال فقد رأينا كيف أن ذلك الحدث كان له ما
بعده من تطورات ميدانية عبر التظاهرات التي انطلقت ضد عباس وسلطته في بيت لحم،
ورغم أنها ردة فعل محدودة لكنها تشي بأن دور السلطة بات مكشوفاً تماماً ولا يجدي
في ستره التضليل الممنهج الذي تمارسه السلطة وأبواقها الإعلامية، والطريف أن
السلطة حاولت تدارك الفضيحة بأن أوعزت للمدارس في الضفة بإخراج الطلاب أمس نصرةً
للمسجد الأقصى، لكن بعضهم خرج ليهتف: "ارحل يا عباس"!