الثلاثاء، 22 سبتمبر 2015

ما لم ترصده الكاميرا



ما لم ترصده الكاميرا
لمى خاطر


ليس مستغرباً حدوث ضجة كبيرة بعد عرض الفيديو الذي أظهر عناصر أجهزة السلطة وهي تعتدي بالضرب المبرح على فتى فلسطيني في بيت لحم، خلال مشاركته في فعاليات نصرة المسجد الأقصى يوم الجمعة الماضي. مردّ موجة الاستنكار والغضب التي أعقبت نشر الفيديو ليس فقط وحشية الاعتداء، بل كذلك لأن سببه محاولات السلطة قمع جميع مظاهر نصرة المسجد الأقصى، في وقت يتعرض فيه الأخير لأخطار كبيرة، وهو ما يعني أن التحرك للذود عنه واجب ديني ووطني يجب ألا يقابَل بالمنع من أية جهة فلسطينية مهما كانت المبررات.

لكن هذه الحادثة لم تكن الوحيدة، وليست الأولى ولا الأخيرة، فنهج أجهزة السلطة في السنوات الأخيرة اقتضى تحوّلها إلى أداة قمع تنوب عن الاحتلال في التعامل مع الشارع الفلسطيني في الضفة لإجهاض بوادر تحركه في مناصرة أية قضية وطنية.

ولو استعرضنا سجّل السلطة القمعي (تحديداً خلال الأعوام الثمانية الأخيرة) فسنجده حافلاً بجميع أشكال القمع والانتهاك، وهو قمع لا يطال حماس فقط ونشاطها كتنظيم محظور، بل يتعدّاه للعدوان على كل تحرّك من شأنه أن يمسّ بأمن الاحتلال، وما قمع تظاهرات نصرة غزة في حرب الفرقان عنا بعيد، ومثله قمع فعاليات التضامن مع الأسرى الإداريين، والاعتداء على مظاهرات التضامن مع غزة ثم المسجد الأقصى العام الماضي، لدرجة أن إحدى تظاهرات نصرة الأقصى في الخليل أواخر عام 2014 تم قمعها من قبل الاحتلال وأجهزة السلطة في وقت واحد، وكان المتظاهرون لا يعرفون مصدر قنابل الغاز التي تتساقط عليهم يومها، إن كانت من الاحتلال أم السلطة. وفي يوم الجمعة الماضي في مدينة الخليل أيضاً كانت أجهزة السلطة تنصب الحواجز على مفترقات الطرق المؤدية إلى مكان انطلاق مظاهرة نصرة الأقصى، رغم أنها كانت في منطقة تماس مع الاحتلال وليست في مناطق السلطة، وتم احتجاز عدد من الشباب والاعتداء عليهم وإهانتهم ومصادرة جوالاتهم، لأن الهدف كان محاولة منع أكبر عدد من المواطنين من المشاركة في المظاهرة، وإبقاء التفاعل مع قضية الأقصى متواضعاً وبارداً ولا يؤسس لحراك مستمر، ستتضرر منه السلطة بقدر ما يتضرر الاحتلال.

ولذلك فإن محاولة التستر على هذه الجرائم عبر الادعاء بأن حادثة بيت لحم كانت فردية لن تسعف السلطة للتعمية على عارها المقيم، كلّ ما في الأمر أن اعتداء بيت لحم رصدته عين الكاميرا ووثقته ونجح في الخروج إلى العلن، مع العلم أن حوادث قمع كثيرة كان يتم توثيقها ثم تقوم أجهزة السلطة بمصادرة المواد التي تم تصويرها من كاميرات الصحفيين بعد اعتقالهم من مكان الحدث.

ورغم فداحة جريمة بيت لحم وغيرها، ما زلنا نجد من بين نخب الإعلاميين والكتاب والحقوقيين من يتماشى مع رواية السلطة ويسوّق لها محاولاً التخفيف من دلالاتها وتلميع وجه الأجهزة الأمنية في المقابل، عبر التأكيد على وطنية دورها، رغم أن واقعها يعاكس ذلك، منذ أن بات حفظ أمن الاحتلال الأولوية الوحيدة في عرفها.

ولكن لأن الشمس لا تُغطى بغربال فقد رأينا كيف أن ذلك الحدث كان له ما بعده من تطورات ميدانية عبر التظاهرات التي انطلقت ضد عباس وسلطته في بيت لحم، ورغم أنها ردة فعل محدودة لكنها تشي بأن دور السلطة بات مكشوفاً تماماً ولا يجدي في ستره التضليل الممنهج الذي تمارسه السلطة وأبواقها الإعلامية، والطريف أن السلطة حاولت تدارك الفضيحة بأن أوعزت للمدارس في الضفة بإخراج الطلاب أمس نصرةً للمسجد الأقصى، لكن بعضهم خرج ليهتف: "ارحل يا عباس"!

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

إلى أن يعود الاتصال في رفح



إلى أن يعود الاتصال في رفح
لمى خاطر


كان ذلك الوحي الإبداعي الذي اكتنف فيلم (رفح.. الاتصال مفقود) الذي بثته قناة الجزيرة قبل أيام ناطقاً برسائل عديدة، سيجتهد المعنيون في ترجمتها وفهم ما وراء رموزها، وكان القسامي الذي رافق فريق إعداد الفيلم إلى مسرح العملية شرق مدينة رفح كمن يقف على أرض صلبة قد حاز أسرارها وخصائصها، وبثّ بين جنبات الركام فيها حياة جديدة، حين عادت كتائبه لتفصح عن معلومة صغيرة، لكنها تفتح الباب أمام تأويلات شتّى لاحتمالات تطور الأحداث في ذلك اليوم، بعد خرق الاحتلال التهدئة ومباشرته بقصف همجي في رفح، حين تيقّن من اختفاء أحد جنوده (هدار جولدن).

أحسنت كتائب القسام يومها حين أعلنت في بيانها المقتضب فقدان الاتصال بالمجموعة التي اشتبكت مع وحدة من جيش الاحتلال، وأحسنت ثانياً حين أفرجت بعد عام عن معلومة يتيمة بذكاء ودهاء، وضمن سياق فيلم يصوّر همجية الاحتلال ويثبت اختراقه التهدئة بعد ساعتين من بدء سريانها، ولمجرد اكتشافه أن أحد جنوده كان قد اختفى قبل بدء موعد التهدئة.

خلص الفيلم الذي بثته قناة الجزيرة إلى أن السيناريو الأقرب لتلك اللحظات السابقة للقصف يشير إلى وقوع اشتباك استشهد على إثره القائد الميداني وليد توفيق مسعود وقتل اثنان من جنود الاحتلال. وكان مسعود يرتدي الزي العسكري الإسرائيلي، فظن الجيش الإسرائيلي أنه أحد جنوده ليكتشف بعد ساعتين أن ثمة جنديا مفقودا، ليبدأ القصف العنيف لرفح.

أما الخلاصات الأخرى فتؤكد أن القسام كان معنيّاً بإثارة غبار التشكيك حول روايته (فقدان الاتصال مع المجموعة) وهو ما سيحرّض المجتمع الصهيوني على مطالبة حكومته بالكشف عن مصير المفقودين من الجنود في حرب غزة، وكل هذا يؤكّد أن فاتورة حساب (العصف المأكول) ما تزال مفتوحة، وأن امتلاك كتائب القسام صندوقاً أسود من الأسرار (المتوقعة وغير المتوقعة) لا زال ورقة رابحة بيد حماس، حتى وإن بدا أن الاحتلال هو صاحب الكلمة الفصل في تقرير مصير غزة حرباً وسلما. لكنّه سيضطر لاحقاً لاستجلاب وسيط للتفاوض حول المعلومات ثم حول ما ينبني عليها، أي الرضوخ مجدداً لإملاءات المقاومة، والاضطرار لكسر مجموعة كبيرة أخرى من السلاسل، ومعها اللاءات الصهيونية المعروفة، والتي باتت حكومة الاحتلال تقتصد في إطلاقها، خلافاً لما كان عليه الحال بعد أسر شاليط.

في مرحلة قادمة سيكون التخوّف من خطف جنود الجيش الإسرائيلي صمام أمان لمنع أي اعتداء صهيوني جديد على غزة، وستكون لَسْعة الخيبة والمرارة (صهيونيا) مؤلمة لدرجة الاجتهاد في تأجيل حضور ذلك الهاجس والتأني قبل اتخاذ قرار جديد بشن حرب مدمرة أخرى على غزة، ولكن دون أن يعني ذلك أن الاحتلال سيغضّ الطرف عن تنامي ساعد المقاومة فيها.

لكن الاحتلال سيعلم أنه قد يدفع ثمنا مادياً ومعنوياً كبيراً لهذا الخيار، أي خيار المواجهة على جبهة غزة، والاقتراب من حدودها بريّا، مثلما يعلم أن المقاومة تطورت إلى درجة باتت قادرة فيها على تنفيذ عمليات أسر في ظل المعركة رغم كل احتياطاته لحماية جنوده أو حتى قتلهم إن تعرضوا للأسر.

وإلى أن يعود الاتصال مع المجموعة المجاهدة في أنفاق رفح، ستكون وحدات أخرى من نخبة القسام قد اتخذت مواضعها وتدرّبت على مفاجآت جديدة للجولة القادمة، وستكون جحافل من الرجال الأحرار قد انتظمت في طوابير طويلة، لتحوز حرّيتها، وتعبر إلى انعتاقها، من فوهة بندقية القسام ومن يقينها بعهوده واطمئنانها لمتانة جداره.