العمليات الفردية والبحث عن التنظيم
لمى خاطر
ما تزال كل عملية فردية نوعية ضد الاحتلال تعزز الاعتقاد بأن هذا
الشكل من العمليات يحمل من الإيجابيات والحسنات أكثر من السلبيات المترتبة على
استمراره شكلاً وحيداً للمواجهة مع الاحتلال في كل من ساحتي الضفة والقدس، فضلاً
عن أن تلك السلبيات قابلة للاستدراك والمعالجة في حال توفّرت إرادة حقيقية
للاستثمار في العمل المقاوم وتطويره وإنجاحه وتقليل فرص استنزافه ومحاصرة محاولات
إجهاضه.
لقد بدا أنه مكن جداً المراهنة على نجاحات تصنعها الخلايا الفردية، أي
التي قوامها شخص واحد أو بضعة أشخاص قرروا تنفيذ عملياتهم دون توجيه أو دعم
مباشرين من تنظيم بعينه. بل يبدو أن هناك توجهاً نحو تجنّب العشوائية التي طبعت
كثيراً من الأعمال الفردية في بداية موجة العمليات قبل أكثر من عام، لأن القليل من
التخطيط وحسن اختيار الزمان والمكان والأداة أمور كفيلة بإخراج عملية ناجحة
وبتحقيق قدر معقول من الإثخان في صفوف الاحتلال، والذي بدونه (أي الإثخان) ستظلّ
معادلة المواجهة مختلة وغير قادرة على مراكمة الإنجازات.
ولا يعني هذا إلغاءً لدور التنظيمات في هذه المواجهة، أو التقليل من
أثر فعل المقاومة المنظمة، فدور التعبئة الذي تلعبه تنظيمات المقاومة ووسائل
إعلامها شكل رافعة مهمة لتسخين أجواء المواجهة والحث الدائم عليها وللإعلاء من شأن
خيار المقاومة، إضافة إلى دور التوعية الذي لعبته منابر إعلامية عديدة خلال الفترة
الأخيرة، لكن التنظيمات (وتحديداً حماس والجهاد) لم تعد قادرة على النهوض بجهودها
الذاتية بأعباء المواجهة في الضفة والقدس، ولا إعادة المشهد المقاوم الذي كان
حاصلاً خلال انتفاضة الأقصى بزخم ووفرة ونوعية عملياته. وأسباب ذلك معروفة أهمها
استمرار حالة الاستنزاف لكوادر الحركتين وخلاياهما العاملة أو المتوقعة، واستهداف
عناصرهما بالاعتقال لدى الاحتلال وأجهزة السلطة، وهو ما أفرز انكشافاً للجسد
التنظيمي وضعفاً لم يستطع تجاوز الإفرازات السلبية لذلك الواقع.
كما لا يمكن لأحد إنكار أن كثيراً من العناصر المقاومة التي نفّذت
عمليات فردية هي محسوبة على تنظيمات مقاومة أو نشطت في صفوفها، وبالتاي تأثرت
بأجوائها التعبوية الدافعة للفعل، لكنها اتخذت – في الغالب- قرار التنفيذ بدافع
ذاتي، واعتماداً على ما تيسر لها من أدوات.
سبق أن قلنا إن من ثمرات هذا النمط من المقاومة أن يضع الشعب كله أمام
مسؤولياته تجاه المقاومة وفي إطار مشروع التحرير، لأنه يعني أن المقاومة ليست من
مسؤولية الفصائل وحدها ويجب ألا تتكئ عليها فقط، بحيث يكتفي غير المنظمين
بالمشاهدة. لكننا بتنا نرى أيضاً أنه نمط مربك للاحتلال ولسياساته التالية لأية
عملية من هذا النوع، فعندما يغيب التنظيم المسؤول بشكل مباشر عن العمل تتشتت ردود المحتل
وترتبك أداة انتقامه، خلافاً لما كان عليه الحال سابقاً في ردود فعله على العمليات
المنظمة، حين كان أفراد ومؤسسات التنظيم يصبحون هدف الانتقام المباشر والسهل عقب
كل عملية.
ولكن لأن الاحتلال اعتاد عقب كل عملية أن يحدد جهة أو تنظيماً ليحملها
مسؤوليتها فقد رأيناه يسارع عقب عملية القدس البطولية إلى اتهام (داعش) في محاولة
لاستجلاب تعاطف خارجي معه وتصوير نفسه كضحية (للإرهاب) رغم أن العملية استهدفت
جنوداً مسلحين، ورغم أن ميول الشهيد لفكر السلفية الجهادية لا يعني بالضرورة أنه
نفّذها بتوجيه من (داعش) أو سواها، فالفلسطيني حامل الفكر السلفي الجهادي يعيش في
البقعة نفسها التي يعيش فيها غيره من الفلسطينيين الذين يقع عليهم ظلم الاحتلال،
ومن حقه أن يقاومه كغيره، بل إن هناك شباباً يحملون أفكار حزب التحرير قد نفذوا
عمليات في هذه الانتفاضة، رغم أن الحزب نفسه لا يتبنى الفعل المادي.
أما ارتباك الاحتلال إزاء هذا النمط من العمليات فقد حاول تداركه (بعد
فشله في تحميله لتنظيم بعينه) بأن وجّه حربه نحو مواقع التواصل الاجتماعي وعدّها
(التنظيم) المحرّض على الفعل، لدرجة دفعت (الكبينيت) الصهيوني لإصدار توصيات
باعتقال كل من أبدى فرحه بالعملية على مواقع التواصل، وقد بات الاعتقال على خلفية
الكتابة على موقع فيسبوك أمراً شائعاً مؤخراً تحت بند (التحريض).
لكن كل تلك الإجراءات ستبقى دون جدوى ما دام الاحتلال عاجزاً عن
التنبؤ بمكان وزمان العملية التالية أو توقّع العنصر المنفّذ لها، ولعلّ هذا من أهمّ
بركات هذا النمط من العمليات.