الاثنين، 28 أبريل 2014

المصالحة والانتخابات، عود على بدء!



المصالحة والانتخابات، عود على بدء!
لمى خاطر



كنت سأسارع لتشجيع أجواء المصالحة الكلامية الأخيرة (كلامية لأن الواقع على الأرض ما زال مأزوما) لو أن موضوع الانتخابات لم يُطرح كمدخل لها وكشرط لإتمامها، ولو أنها بدأت بمعالجة آثار الانقسام على أرض الواقع وتم إرجاء الشأن السياسي لحين اختبار إمكانية نجاح المصالحة في تغيير الواقع الحاصل منذ سبعة أعوام.

لكن تركيز حركة فتح على قضية الانتخابات دون غيرها لا يُبشّر بخير، وكأن المطلوب فقط تقديم البنود التي تخدم حركة فتح وبقية الفصائل دون حماس، ذلك أن جميع الفصائل التي ستشارك في الانتخابات تضع في اعتبارها إمكانية استفادتها الانتخابية من حالة التضييق الواقعة على حركة حماس في الضفة الغربية وتكفّل الاحتلال بهدم أي تشكيل تنظيمي لها، وكذلك من حصارها في غزة واستعداد قطاع من الجمهور للتصويت لجهة لا يجلب فوزها حصاراً جديدا، أي أن المواطن الفلسطيني سيذهب للانتخاب وهو على قناعة بأن انتخاب حماس سيعقبه تجويع في أحسن الأحوال وحرب داخلية في أسوئها، خصوصاً إن أصرت حركة فتح على الاصطفاف مجدداً إلى جانب الرباعية في شروطها وضغوطاتها على الطرف الفائز.

وفتح بدورها، لم تعترف بنتيجة الانتخابات السابقة لكي تعترف بنتيجة الجديدة، وليس متوقعاً أن تعترف وهي مستندة إلى قوتها الأمنية المدعومة من الاحتلال وإلى إمكانية تدخل الاحتلال لصالحها في أية لحظة لتغييب النواب المنتخبين عن حماس كما لا يزال يفعل حتى الآن، ولا يبدو من خطاب محمود عباس أمام المجلس المركزي للمنظمة ما يشي بأنه سيرفض الضغوط على حماس إن طُلب منها الاعتراف بإسرائيل كشرط لقبولها، بل إنه وضع مسألة ضرورة الاعتراف بإسرائيل ورفض المقاومة كبندين من الثوابت الفلسطينية، بحيث لا يجوز الاقتراب منهما مهما كانت هوية الطرف الفائز مستقبلاً أو المشكل حالياً للحكومة التوافقية، وهو أمر خطير يشير بأنه لا أمل في إحداث تغيّر على نهج التسوية السياسية حتى لو تم إصلاح المنظمة وحصل فيها تمثيل لحماس والجهاد.

نزعة التفرد بالقرار هذه ليست غريبة على حركة فتح، وهي ماضية فيها رغم معارضة جميع الفصائل لقضية المفاوضات وللاعتراف بشرعية الاحتلال، لكن الغريب هو أن غالبية الفصائل التي تجاهر برفضها تغض الطرف عن السيناريوهات المستقبلية وتصر على أن الانتخابات هي فقط المدخل الوحيد للمصالحة، لكن أحداً منها لا يتطرّق لمستقبل المقاومة أو مسار المفاوضات بعد ذلك، ولا يقدّم تصوّراً عن المطلوب فلسطينياً لمواجهة الضغوط ولا كيف يمكن إجراء انتخابات بدون ضمانات لاحترام نتائجها أو حتى توفير أجواء نزيهة لها.

إن المناورة السياسية في ظل الاحتلال ستبقى محدودة وعاجزة، لأن الأولوية يجب أن تُعطى لمشروع التحرير، وهذا التحرير لا يمكن أن يتقدم خطوة في ظل هيمنة الفريق المحارب للمقاومة على القرار السياسي، وتحصينه بفزاعة المجتمع الدولي وغياب الدعم عن السلطة إن تبنّت نهجاً مغايرا، فليس من السياسة ولا من أصول المنافسة السوية أن تخوض غمار سباق انتخابي دون أن تكون قادراً على التغيير في حال حالفك الفوز، فيما تظلّ خياراتك محصورة بين التنازل لتجنب الجوع، أو إنكار شرعيتك إن عارضت مقاييس مانحي السلطة ومشغليها، وكل هذا لا يتقاطع أبداً مع الشعارات الوهمية حول تداول السلطة وبناء المؤسسات ورص الصفوف لمواجهة الاحتلال، فالاحتلال لا ترعبه السقوف الهابطة ولا أية سلطة يملك مفاتيح تمويلها وحياتها، فمقتله كان دائماً في جعبة المتحررين من التبعية الأمنية والاقتصادية له، والقادرين على فرض خيارات تفاجئه.

الاثنين، 21 أبريل 2014

المرابطون.. دروس المبادرة والإرادة



المرابطون.. دروس المبادرة والإرادة
لمى خاطر



ماذا كانت ستصنع حناجر الذين اختاروا الرباط في المسجد الأقصى المبارك لو أنها اكتفت بإطلاق نداءات الاستغاثة في فضاء الأمة؟ وماذا كان يمكن أن يحدث لو أنهم قالوا لا طاقة لنا بمواجهة جيش دولة، أو بالصمود في وجه عشرات محاولات اقتحام ساحات المسرى؟ وأن رباطنا سيجعلنا لقمة سائغة للاعتقال أو الاستشهاد دون أن يغني عن الأقصى شيئا؟

تساؤلات كثيرة تطرحها حالة الرباط هذه التي بدأت بشكل منظّم منذ سنوات، وكان الفضل بعد الله في دوامها يعدو لجهود رجال الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر الذين اجترحوا آليات عملية عديدة لنصرة المسجد الأقصى والذود عنه، ولم يركنوا لخيار العجز والتذرّع بقلة الحيلة أمام كيان مسلّح وغاشم ويملك اقتحام المسجد أو تقسيمه أو حتى الاستيلاء عليه جميعه!

إن المواجهات التي اشتعلت بشكل يومي في ساحات المسجد الأقصى مؤخراً بين المرابطين فيه من جهة، وقوات من جيش الاحتلال ومستوطنيه من جهة أخرى لم تفلح فقط في صدّ جميع محاولات الاقتحام والاستمرار في الرباط رغم سقوط عدد كبير من الجرحى، بل إنها كذلك طرحت دليلاً عملياً على أن الأقصى ما زال في كنف حماته والمدافعين عنه، وأن المقدّسات ما زالت خطاً أحمر وتجد من يستعدّ للموت في سبيل حمايتها، وهو ما يعني أيضاً أن استمرار المواجهات قد يوسّع رقعتها ويمتد إلى ساحات أخرى خارج حدود القدس، وهو أمر يبدو أن الاحتلال غير مستعد للمغامرة باستجلابه حاليا.

من الواضح اليوم كم أن الدرس المستمدّ من تجربة المرابطين كبير وغنيّ، إنه درس استثمار قوّة الطرف الضعيف وصياغة التفوّق من حركتها وتوظيفه في المكان والزمان المناسبين لصناعة الإنجاز. وهو درس البحث عن الثغرات في جدار الجمود والولوج منها، بدل الانتظار على هوامش الحدث والتعلّل باستحالة الخطو تجاهها أو المسير وسط حقول الألغام، وفوق ذلك هو درس الإرادة المتأسسة على العقيدة، العقيدة الباعثة على الانطلاق بفعل وقودها، لا تلك الموظفة لتسويغ القعود أو تمييع متطلّبات فريضة الجهاد.

إن المسجد الأقصى الذي نستظلّ ببركته وتخشع مشاعرنا كلما مررنا بآياته التي جسدتها سورة الإسراء لوحة ناطقة تحثّ على النفير، لا ينتظر ترحيل طلب نصرته من حنجرة إلى أخرى، ولا الانشغال بشتم المقصّرين في حقّه كلما دهمه خطر، لأن دور وواجب كلّ مسلم أن يسأل عن دوره وإمكاناته هو لا أن يتساءل عن واجب غيره مكتفياً بشتم الواقع أو هجاء خذلان المسلمين إياه.

لكنّ ظاهرة استنهاض همة غيرنا وتجاهل واجبنا باتت من أهمّ سمات المرحلة، ومثلها استطابة لعب دور الضحية المنتظرة تضامناً ومناصرة، وغير الباحثة عن قدراتها وطاقاتها، وهو نوع من إعفاء الذات من المسؤولية والتصالح مع الضمير. رغم أن تجربة المرابطين في رحاب الأقصى تقول الكثير عن المبادرة والإقدام وخلخلة بُنى المستحيل، والقليل عن طلب النصرة من أمة أثخنتها الجراح وانشغل كل ثغر فيها بقضية إنسانه المستضام وحريته المستلبة.

الاثنين، 14 أبريل 2014

في الجامعات الفلسطينية، الإصرار في مواجهة العربدة



في الجامعات الفلسطينية، الإصرار في مواجهة العربدة
لمى خاطر




قد يبدو غير يسير للمتابع عن بعد فهم الأسباب التي تقف خلف إعلان الاستنفار داخل مؤسسات السلطة وحركة فتح خلال فترة الانتخابات الجامعية في الضفة كلّ عام، ذلك أن الحدث بمحلّيته ومحدوديته وانحصار إفرازاته داخل أسوار الجامعات لا يبرّر أن تتجند المؤسستان السياسية والأمنية في الضفة لدعم حركة الشبيبة في الجامعات في مواجهة الكتلة الإسلامية، وبهدف تحصيل فوز أو تفوّق على الكتلة بأيّ ثمن، حتى لو تطلّب الأمر إنفاق عشرات آلاف الدولارات كمنح وهدايا لمن ينتخبون الشبيبة أو إجبار الطلبة المستفيدين منها على تصوير أوراق انتخابهم بالجوالات، أو تعطيل العمل يوم الانتخاب داخل المقرّات الأمنية وتوظيف سياراتها لنقل منتخبي الشبيبة، إضافة للحصول على قوائم بأسماء جميع الطلاب والاتصال على ذوي عدد من طلاب الكتلة لإرغامهم على عدم إرسال أبنائهم أو بناتهم للانتخاب!

ورغم أن الوسائل أعلاه لا تؤثر في قناعات جميع الطلاب، ولا تنجح بشكل مطلق، إلا أنها تشير بوضوح إلى تقزّم اهتمامات حركة فتح من جهة، وإلى هلع سلطتها من أية فرصة تتيح لخصومها التقدّم أو إعادة التواصل مع الجمهور الفلسطيني، ولو على نطاق الجامعات.

وهناك سبب مركزي آخر لهذا الاستنفار وهو الخشية من تحييد عامل الترهيب وفقدانه مفعوله، وخصوصاً في وعي جيل طلبة الجامعات، لأن بقاء هذا العامل يترتّب عليه إبقاء الكتلة الإسلامية منبوذة، ولا سيما حين تكون هناك تبعات لمؤازرتها أو الانتظام في صفوفها كالحرمان من الوظيفة الحكومية لاحقاً أو عدم التمتع بالامتيازات التي يحظى بها منتسبو الشبيبة والمصفقون لها!

ومع أن كل إجراءات محاربة النشاط الطلابي داخل الجامعات خصوصاً للكتلة الإسلامية تصبّ في صالح الاحتلال، وتجري وفق قوانينه، ورغم أن كل طالب تعتقله السلطة على خلفية نشاطه لا بد أن يعتقله الاحتلال فور خروجه ليجد ملفه جاهزاً لدى المخابرات الإسرائيلية، إلا أن همّ حركة فتح وسلطتها الأبرز يبقى إدامة استفرادها بالحضور في الواقع الفلسطيني والهيمنة على الوعي العام، والسماح فقط بوجود الحركات ضعيفة التأثير كديكور لديمقراطيتها المزعومة، وكغطاء لأكاذيب احترامها الحريات وحقوق العمل السياسي والتنظيمي.

وإن هذا الإرث القمعي البغيض الذي توارثته حركة فتح منذ محاولات احتكارها قرار النضال، والقرار السياسي، والتفرد بإدارة المؤسسات الفلسطينية كلّها، ليس متوقّعاً أن يتفكك أو يقلّ منسوبه حين تكون الساحة خالية لها، وحين تستفيد بشكل مباشر من ملاحقة الاحتلال الشرسة لخصومها وتجريم جميع أشكال نشاطهم حتى لو كانت طلابية أو إغاثية.

غير أن هذا يتطلب في المقابل، ومن الكتلة الإسلامية تحديداً أن تتمدد وتوسع دائرة المستهدفين بنشاطها وخطابها، بحيث تصل إلى الجميع وليس فقط المنتظمين في صفوفها أو المؤيّدين نهجها. ولعلّ انتهاجها هذا التوجّه في كثير من الجامعات مؤخراً كان ما قرع ناقوس استشعار الخطر داخل أروقة الأجهزة الأمنية لحركة فتح التي تخصّصت أيما تخصص في ملاحقة حماس وعرقلة نشاطاتها مهما كانت بسيطة ومحدودة! 

وبموازاة الجانب النقابي الذي يجب أن يكون متصدراً أولويات الكتلة الإسلامية في الجامعات، فإن عملية تأهيل الطالب فكرياً وتوعيته بوزن صوته ورأيه، وتدريبه على تحدي القمع والتمرد على الابتزاز يُفترض أن تبدأ من الجامعة، وهذا يتطلب أن يشاهد الطالب أمامه في الساحة الجامعية نماذج رائدة تحمل لواء الإصرار على العمل وتنتزع حقّها في العمل الطلابي رغم المضايقة التي تصل حد الاعتقال أو تجميد النشاط بقرار أمني متعسّف تتولاه أحياناً إدارة الجامعات التي يخضع كثير منها لهيمنة الأجهزة الأمنية وتوجيهاتها!

ولذلك تبدو مهمة الكتلة الإسلامية في هذه المرحلة مركزية ومهمة، وستُبنى عليها خطوات التغيير اللاحقة، رغم أن تجلّيات أثرها بدأت بالظهور منذ نبذ خيار الانحناء أمام العاصفة أو مجاراة واقع القمع والترهيب. فهذا الجيل الجديد الذي يناضل ويصرّ على تحصيل مساحته وحقّه رغم محاربته على جبهتين يبدو جديراً بالثقة وأهلاً لحمل المسؤوليات الصعبة، والإصرار على الاستمرار، بعد إدراكه أن هذه الصعوبات التي تواجه مسيرته هي جزء أساسي منها وسترافقها طوال الطريق، ما دام يحمل رسالة ذات أثر وتبشّر بالتغيير.

الجمعة، 11 أبريل 2014

لا شيء يُتعب القلب مثل أن يدير صاحبه معركة في ميدانه قبل أن يخوضها على أرض الواقع، خصوصاً إن كان احتمال اندلاعها الفعلي ضئيلا..

السلام النفسي كنز كبير
لا قيمة لكلّ ادعاءات الصمود التي تروّج لها سلطة فتح في الضفة الغربية، ما دام ذلك (الصمود) قابلاً للتفتت على صخرة (تجميد إسرائيل لأموال الضرائب) كلما أرادت تذكير السلطة بأن خيارات تمرّدها تساوي صفرا!

الأربعاء، 9 أبريل 2014

حين يكون وطنك محتلّا، تبقى خياراتك السياسية محدودة، ومحدّدة بمعيار هدفك الكبير بإنهاء الاحتلال..

وليس لك تصوّر أن التذاكي والتعلّق بوهم المسارات الرخيصة يمكن أن يُضيف لقضيّتك شيئاً ذا قيمة.

الاثنين، 7 أبريل 2014

لماذا ليست وطنية؟!



لماذا ليست وطنية؟!
لمى خاطر




في عام 2010 حدث بعض التغيّر على سياسة السلطة في الضفة الغربية في التعامل مع المعتقلين السياسيين لديها، حيث توقّفت أشكال التعذيب العنيف التي كانت تنتهجها قبل ذلك، وجاء ذلك عقب تقارير لمنظمات حقوقية دولية وثّقت حالات تعذيب شنيعة في سجونها، وبعد عدة حالات وفاة بسبب التعذيب. غير أن هناك استثناءً واحداً لم يشمله هذا التغيّر وهو (الاعتقال على خلفية المقاومة)، أي مقاومة الاحتلال، فالمقاوم الذي يُعتقل بسبب تنفيذه عملية ضد الاحتلال أو التخطيط لذلك أو حيازة سلاح ظلّ يخضع لتعذيب مفتوح لا يتوقّف إلا بانتزاع المعلومات المطلوبة، وهذه بدورها تحوّل (بصورة مباشرة أو غير مباشرة) للمخابرات الإسرائيلية التي لا تكتفي – بطبيعة الحال – بالمدة التي يقضيها المعتقل في سجون السلطة، فتعيد اعتقاله والتحقيق معه بعد إفراج السلطة عنه.

هذه القضية على وجه الخصوص لا تملك السلطة إنكارها، لكنها تقارف ما هو أبشع من الإنكار حين تدّعي أنها تعتقل المقاوم لحمايته من استهداف الاحتلال، ولا يخجل الناطق باسم الأجهزة الأمنية عدنان الضميري من ادعائه بأن اعتقالهم المقاومين يحميهم من الاغتيال الصهيوني، ذلك أن مفهوم حماية المقاوم يتعارض كلياً مع تعذيبه الشديد وشبحه أياماً طويلة في مسلخ أريحا، أو قتله تحت التعذيب كما حصل مع مجد البرغوثي وفادي حمادنة ومحمد الحاج وهيثم عمرو وكمال أو طعيمة!

ولعلّ أهم ما في قضية الاعتقال السياسي أنها تتجاوز مفهوم الحريات المغيبة، أو حالة الانقسام التي يُعلّق عليها كثير من الفلسطينيين مآسيهم ويحسبون أن انتهاءها مقترن بنهاية الانقسام، فالاعتقالات سياسة متجذّرة في مشروع السلطة، وحدثت منذ تأسيسها، ولم تتوقف إلا بعد انطلاق انتفاضة الأقصى نتيجة فقدان الأجهزة الأمنية سيطرتها على الأوضاع الداخلية، ثم عادت لتطلّ بوجهها القبيح عام 2007 مستغلة هذه المرة مشجب الانقسام.

إن ملخّص القضية كلّها أنها اعتقالات تنفّذ لحساب الاحتلال، ووفق معاييره وقوانينه في الاستهداف والملاحقة، فالقضايا التي يحاسب عليها المعتقل لدى محاكم السلطة والاحتلال واحدة، وهذا لا يقتصر فقط على العمل المقاوم، فحتى النشاط التنظيمي والعمل الإغاثي والطلابي والسياسي يخضع للمساءلة وفق معايير الاحتلال، فما يزعج الاحتلال يزعج السلطة والعكس صحيح، بل إن الأخيرة ملزمة (وفق الاتفاقات الأمنية) بالسهر على أمن الاحتلال قبل أمن الفلسطيني، وبمعاملة المقاوم كإرهابي خارج عن (الصف الوطني) كما ينعق ناطقوها الذين لا يجيدون غير الكذب والتدليس ويمتهنون التضليل بحرفية واضحة!

ولذلك تبدو الحملة التي أطلقها ناشطون على مواقع التواصل تحت عنوان (الاعتقالات مش وطنية) أفضل ما يعبّر عن هذه القضية، ويصنّفها بشكل صحيح بعيد عن المصطلحات المنمقة التي تميّع حقيقتها وتجعلها شأناً هامشياً في المشهد الفلسطيني.

ويبدو الآن أن هناك حاجة لفهم أصل كثير من الظواهر السلبية في هذا المشهد، قبل اجترار التعبيرات الإعلامية الدارجة في توصيفها، أو بحث آثارها وما يطفو على السطح فقط من جبلها الجليدي الضارب في أعماق الحقيقة!

وحين نفهم قدر ارتباط السلطة بالاحتلال، سياسياً واقتصادياً وأمنيا، سنفهم لماذا يكتنف المشهد الفلسطيني كلّ هذا التزييف، ولماذا تمعن قيادة السلطة في معركة أوهامها السخيفة، ولماذا تضخّم إنجازاتها قليلة الشأن وتصوّرها معارك فذّة، وسنفهم أيضاً لماذا تحفل سدّة النخب السياسية والثقافية بمفردات تضليلية وتحترف دلق التحليلات الممجوجة على مسامعنا ليل نهار، لكنّها تجبن عن قول الحقيقة أو عرضها أمام الجمهور بأمانة خالصة!

وسنفهم أخيراً لماذا يستمر اعتقال المناضلين، وسيستمر حتى لو وُقّع اتفاق شكلي للمصالحة، ولماذا يعرف المواطن البسيط في الضفة الغربية أن من يعادي الاحتلال يصبح بالضرورة عدواً للسلطة، ثم لماذا يطرح هذا المواطن ذلك السؤال التقليدي كلّما سمع باعتقال أحدهم: "سلطة أم يهود"؟!