المرابطون.. دروس المبادرة والإرادة
لمى خاطر
ماذا كانت ستصنع حناجر الذين اختاروا الرباط في المسجد الأقصى المبارك
لو أنها اكتفت بإطلاق نداءات الاستغاثة في فضاء الأمة؟ وماذا كان يمكن أن يحدث لو
أنهم قالوا لا طاقة لنا بمواجهة جيش دولة، أو بالصمود في وجه عشرات محاولات اقتحام
ساحات المسرى؟ وأن رباطنا سيجعلنا لقمة سائغة للاعتقال أو الاستشهاد دون أن يغني
عن الأقصى شيئا؟
تساؤلات كثيرة تطرحها حالة الرباط هذه التي بدأت بشكل منظّم منذ سنوات،
وكان الفضل بعد الله في دوامها يعدو لجهود رجال الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر
الذين اجترحوا آليات عملية عديدة لنصرة المسجد الأقصى والذود عنه، ولم يركنوا
لخيار العجز والتذرّع بقلة الحيلة أمام كيان مسلّح وغاشم ويملك اقتحام المسجد أو
تقسيمه أو حتى الاستيلاء عليه جميعه!
إن المواجهات التي اشتعلت بشكل يومي في ساحات المسجد الأقصى مؤخراً
بين المرابطين فيه من جهة، وقوات من جيش الاحتلال ومستوطنيه من جهة أخرى لم تفلح
فقط في صدّ جميع محاولات الاقتحام والاستمرار في الرباط رغم سقوط عدد كبير من
الجرحى، بل إنها كذلك طرحت دليلاً عملياً على أن الأقصى ما زال في كنف حماته
والمدافعين عنه، وأن المقدّسات ما زالت خطاً أحمر وتجد من يستعدّ للموت في سبيل
حمايتها، وهو ما يعني أيضاً أن استمرار المواجهات قد يوسّع رقعتها ويمتد إلى ساحات
أخرى خارج حدود القدس، وهو أمر يبدو أن الاحتلال غير مستعد للمغامرة باستجلابه
حاليا.
من الواضح اليوم كم أن الدرس المستمدّ من تجربة المرابطين كبير وغنيّ،
إنه درس استثمار قوّة الطرف الضعيف وصياغة التفوّق من حركتها وتوظيفه في المكان
والزمان المناسبين لصناعة الإنجاز. وهو درس البحث عن الثغرات في جدار الجمود
والولوج منها، بدل الانتظار على هوامش الحدث والتعلّل باستحالة الخطو تجاهها أو
المسير وسط حقول الألغام، وفوق ذلك هو درس الإرادة المتأسسة على العقيدة، العقيدة
الباعثة على الانطلاق بفعل وقودها، لا تلك الموظفة لتسويغ القعود أو تمييع
متطلّبات فريضة الجهاد.
إن المسجد الأقصى الذي نستظلّ ببركته وتخشع مشاعرنا كلما مررنا بآياته
التي جسدتها سورة الإسراء لوحة ناطقة تحثّ على النفير، لا ينتظر ترحيل طلب نصرته
من حنجرة إلى أخرى، ولا الانشغال بشتم المقصّرين في حقّه كلما دهمه خطر، لأن دور
وواجب كلّ مسلم أن يسأل عن دوره وإمكاناته هو لا أن يتساءل عن واجب غيره مكتفياً
بشتم الواقع أو هجاء خذلان المسلمين إياه.
لكنّ ظاهرة استنهاض همة غيرنا وتجاهل واجبنا باتت من أهمّ سمات
المرحلة، ومثلها استطابة لعب دور الضحية المنتظرة تضامناً ومناصرة، وغير الباحثة
عن قدراتها وطاقاتها، وهو نوع من إعفاء الذات من المسؤولية والتصالح مع الضمير.
رغم أن تجربة المرابطين في رحاب الأقصى تقول الكثير عن المبادرة والإقدام وخلخلة
بُنى المستحيل، والقليل عن طلب النصرة من أمة أثخنتها الجراح وانشغل كل ثغر فيها
بقضية إنسانه المستضام وحريته المستلبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق