عن المرأة في ظلال الثورة
لمى خاطر
ما زالت تلك الصورة النمطية حول دور المرأة في ظلّ أية ثورة أو حالة
جهادية تقيّد من يتوقف ليتناولها أو يتحدث عنها، وهي صورة تتراوح بين التنظير
المثالي الذي يكرّس همّه لإبراز دور بطوليّ متخيّل (في الغالب) للمرأة المشاركة
بنفسها في المعركة كنوع من تقديرها (وفق تصور القائمين عليه)، وبين التركيز على
معاناتها ومأساتها بشكل سطحي، يُعنى بالأرقام ووصف الحالات الأكثر مظلومية، أكثر
من اعتنائه بالبحث عما وراء الحالة وما يجب أن تكون عليه، أو ما تفرزه تلك الوقائع
من سلبيات أو إيجابيات على واقع المرأة والأسرة بشكل عام، أو البحث في كيفية تأهيل
المرأة والأسرة في ظلّ الأحداث الكبرى التي تصادفها مسيرة الأمة في جميع ساحاتها.
في كلّ حديث عن بطولات الرجال أو عن جانب المحنة في مسارهم يندر أن
يلتفت أحد إلى الجانب الآخر لقضية كل رجل؛ مجاهداً كان أم شهيداً أم أسيرا، أي
المرأة في محيطه، أماً أو زوجة أو أختاً أو ابنة، أو أسرة بشكل عام، رغم أن هذا
الجانب الآخر الذي يشكل ظلّ كل حالة تكتنفه مسؤوليات شتى، معنوية ومادية، لأن تلك
المحاضن التي تمد الثورات والمعارك بالمجاهدين لا تتكوّن من الفراغ، ولا يمكن
تجاهلها في خضمّ تناولنا مفاصل النهضة الجهادية داخل الأمة، لأن أماً أو زوجةً
ذاهلة عن نداء الواجب وعن متطلّباته لا يمكن أن تعين الرجل في محيطها على التقدّم،
ولا أن تمنحه الاطمئنان النفسي إذا ما قرر خوض لجة الثورة، خصوصاً إذا كان المسار
طويلاً ومرهقاً ويتطلب صموداً كبيراً وتفانياً استثنائياً في سبيل الوصول للغايات
العظيمة.
وهنا يكون الالتفات للمرأة شأناً ضرورياً وليس ترفاً يُطرح على هوامش
القضايا، فالمرأة في هذا الموقع، أي في محيط الرجل المجاهد والمستعد للتضحية لا
تستحق فقط التقدير والثناء، بل إن هناك مسؤوليات كبرى تفرض على الآخرين من غير
حاملي السلاح أن يحيطوا هذه الأسر بكل أشكال الرعاية المتاحة، ولعلّ الساحات التي
يطول فيها أمد الاحتلال أو الاستبداد يتبيّن فيها جيداً أثر التقصير مع ذوي بعض
رموز الجهاد والمقاومة، وكيف أن الاهتمام بالرمز والغفلة عمن خلّفه من أهل بيته يفرز
إشكالات كثيرة، ويسيء في مراحل لاحقة لهذا الرمز، ويبيّن حجم العيوب التي ينتجها
التعاطي القاصر وغير الشامل مع حالة المقاومة ورموزها وشهدائها وأسراها، فهذه
الثلة هي خميرة الثورات الحقيقية، ومن أعمارها يتصاعد الفجر شيئاً فشيئا، وعلى
دمها يتغذى وينمو، لكنها ليس حالات معزولة عن نطاقها الاجتماعي، ولا تقف حدود
مسؤولية المجموع عند الاعتناء بالرمز المضحي وإغفال الشريحة التي دعمته ابتداءً ثم
كابدت آثار غيابه شهيداً أو أسيرا.
في الجانب الآخر، تبدو الحاجة ماسة لتعزيز قيمة التضحية وكنه رسالتها
داخل كل مجتمع يعيش حالة جهاد وتضحية، لأن المدد البشري اللازم لتغذية هذا المسار
في جميع المراحل سيتناقص مع الوقت إذا تُرك الأمر دونما إعداد أو عناية بمتطلباته.
ذلك أن الاستعداد للتضحية لا يكون دائماً في أوجه ولا كحاله في بداية الثورة أو
الحالة الجهادية. وهنا تبرز أهمية الاعتناء بذلك العنصر الغائب مجددا، أي المرأة
والأسرة، فالإعداد والتعبئة ينبغي أن يبدءا من عندها، وإبصار تكاليف المسيرة لا
بدّ أن يكون هناك، ومثله الوعي والفهم للدور الذي لا يجوز أن يقف عند حدود الصبر
على البلاء عند حلوله وحسب، بل تجاوز ذلك إلى إدراك عظمة مسؤولية التربية والإعداد
ودفع الرجال لساحات الجهاد، والتثبيت لا التخذيل، وهو دور ستسحن المرأة أداءه إن
أُحسن أعدادها له وتم تهيئتها لتكون سارية في المعركة وركناً أساسياً في مسارها،
وليس فقط عنصراً متلقياً للصدمات ومرغماً على تجرّع آلامها والبكاء على جراحاتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق