بين يوم القدس واقتحام الأقصى
لمى خاطر
لم تكن فترة زمنية طويلة تلك الفاصلة بين (يوم القدس العالمي) الذي
اصطلح (إيرانياً) على أن يكون في آخر جمعة من شهر رمضان كل عام، وبين اقتحام
المستوطنين وجنود الاحتلال الصهيوني ساحات المسجد الأقصى بدعوى إحياء أكذوبة (خراب
الهيكل).
في (يوم القدس العالمي) هذا العام، كان إحياء إيران وأركان حلفها
للمناسبة في غاية الركاكة والجفاء، فحضور القدس بقيمتها المعنوية والأخطار
المتصاعدة حولها كان باهتاً ومصطنعا، لدرجة أن وسائل الإعلام المحسوبة على إيران
أو المقربة منها كانت تبحث عن حضور إيران في يوم القدس في ساحات العالم المختلفة،
وليس عن القدس في يومها المُفترض، وهكذا فإن القدس التي تغيب بالكامل عن أجندة
الحلف الإيراني تعود لتُستحضر في يوم يتيم في السنة وبأسلوب مبتذل، بحيث تغدو كل
معارك هذا الحلف في أية بقعة في العالم كأنما تفتح طريقاً نحو القدس، كون حلفاء
إيران في المنطقة ما زالوا يرونها وصيةً على مقاومة الاحتلال الصهيوني وصاحبة الحق
الحصري في تصنيف الأفراد والتيارات والأنظمة خارج أو داخل دائرة الانتساب لمشروع
المقاومة.
كان التطور هذا العام بأن نكتشف أن طريق القدس لا تمر فقط من الزبداني
ودمشق كما قال حسن نصرالله، بل حتى من جميع مشاريع إيران وحروبها في العراق
واليمن، ومن عدوان الحوثيين أيضاً في اليمن، ثم اختزال الشعب اليمني بتاريخه وقيمه
العامة في هذه الفئة القليلة لكن الحائزة على صكوك الغفران بمفهومها الإيراني.. وكل
هذا لأجل عيون القدس، بل إن (عبدالملك الحوثي) اجتهد يومها في خطابه الذي سبق خطاب
نصرالله في التأكيد على أن كل من يقاوم الحوثيين في اليمن يخدم سياسات إسرائيل،
وكرر كلمة إسرائيل تقريباً في كل جملة من خطابه، في محاولات مستميتة لإلحاق مشروع
الحوثيين وإيران في اليمن بمشروع المقاومة ومنازلة إسرائيل، وهو ما عبر عنه نصر
الله بأسلوب لا يختلف كثيراً عن تلميذه الحوثي، ولكن عبر آلية عرض أكثر دعائية،
نظراً لعامل الخبرة الذي يتفوق فيه الأول.
انتهى يوم القدس، وتوقف معه الاهتمام الإيراني بها، وذهبت الخطابات
إلى حال سبيلها، لأنها كانت فقط حاجة إعلامية دعائية، يتم الاعتناء بتزيينها لمثل
هذا اليوم، ثم يمضي بعدها المشروع الإيراني ومعه أولويات حزب الله نحو بؤر بعيدة
عن حدود فلسطين وساحات الأقصى.
ومع الاقتحام الصهيوني الجديد للأقصى لنا أن نتوقع الآن مضامين اللغة
التي ستكتنف خطاب الحلف الإيراني في تعاطيه مع الحدث، حيث سيتم التركيز على هجاء
العرب والنظام الرسمي، رغم أن هذا النظام الخائب المستسلم لا يقدم نفسه حامياً
للقدس ومدافعاً عنها، ولا يصنف نفسه خطراً وجودياً على إسرائيل كما وصف نصر الله
إيران، وسخّف بطريقة معمّاة فصائل المقاومة الأخرى، جاعلاً خطرها محدوداً وعابراً
مقابل الخطر الإيراني (الوجودي) على إسرائيل.
الإشكالية هنا، أن الحلف الإيراني في ابتعاده التام عن قضية فلسطين وهمومها،
والأقصى والمخاطر المحيقة به، لا يمتلك الشجاعة والمصداقية ليعترف بأولوياته الجديدة
وطبيعة أجندته واهتماماته الحالية، بل نراه يصرّ على إقحام ادعائه الالتزام تجاه فلسطين
والقدس في كل خطواته حتى تلك الإجرامية، أما حين يَصعد نداء الواجب ويعلو صوت
المطالبة بالفعل عند كل مجزرة في فلسطين أو اقتحام للأقصى فلا نسمع من هذا الحلف
غير هجاء متواصل للعرب الرسميين وتبيان لتآمرهم على قضية فلسطين وخذلانهم إياها،
رغم أن هذا الخذلان أمر مفروغ منه ومعلوم بالضرورة منذ عقود، والتأكيد عليه ما عاد
يضيف قيمة للخطاب أو تبرئة من المسؤولية لمن يتحدث به، عدا عن أن العرب الرسميين
لم يقولوا يوماً إنهم سيحررون فلسطين وسيلقون بإسرائيل في البحر، ولم يصنفوا
أمريكا شيطاناً أكبر، بل إن بعضهم متصالح مع خيبته وتبعيته لأمريكا، ويقر بجبنه
وانخفاض سقفه. ولكن ماذا عمن يبررون كل معاركهم داخل الأمة بأنها لأجل عيون فلسطين
والقدس ثم يغيبون عند كل عدوان عليها وكل استباحة للمقدسات؟!
تلك هي التجارة كما امتهنها أركان الحلف الإيراني في المنطقة، وهذا هو
الاحتكار في أبشع صوره، التجارة المزمنة بقضية مقدسة، واحتكار ادعاء الاهتمام بها،
ولكن دون أن يضيف هذا الاهتمام المزعوم لها شيئاً في المراحل الفاصلة، وعند
احتياجها الفعل والإعانة.