نخبة الانتفاضة الثالثة
لمى خاطر
هكذا قضت طبيعة الأشياء في فلسطين؛ كلما مر شطر من السنوات يكبر خلاله
جيل جديد ويستوي على سوقه فلن يلبث أن يشعل فتيل اللحظة المرجوّة، ويتّخذ موقعه في
ساحة المواجهة متقدماً صفوفها، ومفاجئاً من راهن على انسحابيته ولامبالاته.
هذا الجيل الذي يتصدر اليوم حالة الحراك المتصاعد في القدس والضفة
الغربية لم يكن قد شارك في الانتفاضتين السابقتين لأنه لم يكن قد ولد بعد، أو كان
صغيرا، لكنه اليوم، كما الأجيال السابقة له ما زال يحمل نضارة الروح النضالية
ويكتنز دوافع الإصرار والإقدام والثبات، فيقدّم فعلاً متنوع الأشكال وتصدر عنه
شجاعة فائقة تتجلى في عمليات ينفذها بالسلاح الأبيض وفي صمود كبير في الشوارع أمام
آلة القمع الصهيونية.
صحيح أننا هنا لا نعمم على جميع عناصر هذا الجيل، بل نتحدّث عن نخبته
وصفوته، في وقت كان فيه كثيرون يرون أن عمليات تزييف الوعي وتبديل الثقافة
المقاومة له قد آتت أكلها حتى أفسدته كلّه، ولم يعد يُرجى منه خير أو فعل مثمر،
ولكن من قال إن الانطباعات الذاتية المبنية على رصد ظاهر الأمور أو جزء منها يمكن
أن تؤسس لحالة تحليلية سليمة؟ ومن قال إن الأحداث الفارقة والمفاجئة قابلة للتوقع
المسبق عن بعد أو قرب؟
ومع ذلك، فثمة إرهاصات عديدة سبقت هذه الحالة وأسست لها خلال آخر
عامين في الضفة والقدس، وبلغت مرحلة ما قبل الذروة خلال العام الأخير، مع حادثة
إحراق الطفل محمد أبو خضير على يد المستوطنين، ثم الحراك الميداني في الضفة على
هامش حرب غزة، وكذلك الهبة التي تلت اقتحام الأقصى أواخر عام 2014، وصولاً إلى
حادثة إحراق عائلة دوابشة، والتي أعقبها حالة مقاومة شعبية يومية، لكنها لم تكن
شاملة ومتزامنة كحالها خلال الأيام الأخيرة، وتحديداً منذ اغتيال الشهيدة هديل
الهشلمون ثم عملية نابلس وبعدها عملية الطعن التي نفذها البطل مهند حلبي.
إن نخبة هذه الهبة الجماهيرية الأخيرة من شأنها أن تقدّم كثيراً من
الإنجازات المقاومة في حال نجحت في الخلوص إلى مرحلة اللاعودة وكسرت قيد إرهاب
الاحتلال ومن بعده قيد التنسيق الأمني الذي لا يمكن تحييده إلا بتصاعد الفعل إلى
درجة تصبح فيها حالة الحراك الجماهيري عصية على الاحتواء أو الإجهاض.
وهنا تبرز مسؤولية قوى المقاومة في الضفة والقدس التي تتطلّع لاستكمال
وتصعيد مسيرتها المقاومة، وهذه المسؤولية تتوزع ما بين العمل على تصاعد الأحداث
عبر تنظيم كثير من أشكالها وضخ تيارها البشري فيها، إضافة إلى استثمار الطاقات
الشبابية الحية في فعل مقاوم مثمر ومستمر ومتصاعد ويتوافر على خبرات وكفاءات
قتالية تبدو ساحة الضفة والقدس في أمس الحاجة إليها اليوم، ليس فقط لردع اعتداءات
الاحتلال، بل كذلك لاستئناف مسيرة التحرير بعد سقوط جميع الخيارات السياسية البائسة
بشكل مدوّ ومريع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق