جرح يتّسع، وبدر يكتمل!
لمى خاطر
اغتيال وجرح.. شهادة ونافذة بهاء.. احتراق وارتقاء
نجوم تنبثق من آخر حدّ يسيل عنده الدم
أشواق تستعر حين تفاجئها المواجع
لكنه الاصطفاء، فقه الشهادة وسنّة الجهاد وأمنية الفدائي القارئ مصيره بين دفتي مصحفه (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)
المصير الذي أبصره وهو يُذيب حديد المستحيل ويصنع انفساح اللحظة الاستثنائية، ويطلق ترنيمته الأشهى في لحظات عمليته الأولى
عامر ومروان أبصرا مصيرهما مبكّرا، وأيقنا أنها ميتة واحدة، وأن من لم يمت بالسيف مات بغيره، فآثرا اقتفاء آثار النجوم، فما عاد في الأرض ما يغري بالمقام
واليوم؛ حملا أسرار اللحظات كلّها ورحلا، حملا عطر الربيع ووهج الصيف ونكهة أوّل الخريف ورحلا..
لا تذرفوا الدمع على عامر، ولا تجللوا وجه مروان، اتركوا للشوارع أن تستنفذ حزنها، وتغسل وجومها.. امنحوها فرصة أخيرة لأن تستذكر أصداء الأصوات التي كانت تمجّد اسميهما في كل غدوة وروحة
واتركوا لنا أن نكتسي لونَ دمهم إلى حين، أن نطرّز حوافّ قلوبنا بيقين الأمهات والزوجات الصابرات.. أن نختلس النظر للإباء إذ يتمثّل لنا بشراً سويا، إنساناً من لحم ودم، وعاطفة تحبّ وتتألّم، لكنها تفاضل بين أشواقها، فيغلب شوقُها للسماء أرضيتَها وبشريتَها، كما يغلب ضعفَ المرتجفين، ويهزأ بانسحابهم إلى ذواتهم.
في اليوم التالي للشهادة:
طائرة الاستطلاع (الزنانة) تغادر سماء الخليل..
الدورية التي ستداهم بعض الأحياء هذه الليلة ستتخفف من رتلٍ من احتياطاتها التحصينية لأن آخر البنادق تفجّرت..
العساكر (الوطنية) الجالسة في مربعها الأمني ستبذل وقتاً أطول في تلميع (سباطاتها) وعدّ رصاصاتها المحسوبة أصلا..
سيأخذ العسس والوشاة قسطاً وافراً من الراحة يتخلله قدر قليل من تأنيب الضمير، ويخالطه عزاء أكبر لأن مهمتهم كانت (وطنية)..
الهلال يتصاغر ويختفي في السماء، ثم يتشكّل آخر وينمو على مهل..
لكنّ موعد اكتمال البدر، لن يتنبّأ به أحد.
في اليوم الثالث للشهادة:
السارية صارت جذراً تخيّر عمقه بإرادته واختياره
الطريق غير المرصوفة بحسابات الخسارة تكاثَرت مساربها
العتق من الذلّ غدا نهجاً يُحتذى وقصة تُروى وتفاصيل تُتداول
المدينة التي تحفظ الودّ لأنبل فرسانها باتت أكثر دراية بأصول احتضانهم
خيبة الطارئين على المراحل تخشى لسع المفاجآت، ورهبة النجمة السداسية في مستوطنة (الكريات) ارتسمت حدوداً لا تُمحى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق