نفير الأسرى وإضرابهم
لمى خاطر
من جديد؛ تعود سجون الاحتلال وما يجري فيها إلى صدارة المشهد
الفلسطيني، ويعود معها إصرار الأسرى على رفع لواء الكرامة من داخل الزنازين، وتحدي
إجراءات الاحتلال الأخيرة الرامية إلى فرض سياسات التضييق عليهم والعقاب الجماعي،
وحملهم على العيش في ظروف سيئة وعلى التسليم بأن المحتل ما زال يملك اليد العليا
وأن قوّته غير قابلة للهزيمة، لا سيّما بعد أن بات معروفاً أن نضالات الحركة
الأسيرة على مرّ تاريخها كانت كفيلة بتحصيل كل الحقوق الإنسانية – ولو في حدّها
الأدنى – من بين براثن السجان.
إجراءات التضييق الأخيرة التي ينتهجها الاحتلال بحق الأسرى تأتي
إفرازاً لأزماته العديدة على صعيد هذه القضية، كإضرابات الأسرى داخل السجون -
فرديةً كانت أم جماعية – وضربة الانكسار التي تعرّض لها عقب عملية وفاء الأحرار
التي تحرر بموجبها نحو 2030 أسيراً من سجون الاحتلال، ثم ما رشح من نتائج لحرب
العصف المأكول على صعيد أسرى الاحتلال لدى كتائب القسام، وهو تطوّر يعني أن
الاحتلال سيضطر عاجلاً أم آجلاً للخضوع لمقتضيات هذه الحالة ثم التفاوض للإفراج عن
أسراه مقابل أسرى فلسطينيين، وهو يعني أن لاءات إسرائيلية جديدة سيتم كسرها
وتجاوزها، وسيكون الاحتلال مجبراً على دفع أثمان أعلى من السابق إن تبيّن أن هناك
مفاجآت على صعيد عدد وحالة أسراه لدى كتائب القسام.
واليوم، يحاول الاحتلال الاستفراد بالأسرى لديه في السجون وفرض سياسة
الأمر الواقع عليهم، وإرغامهم على الكفّ عن كل مظاهر الإضراب والعصيان داخل
السجون، إضافة إلى محاولاته تصعيد العقوبات وسياسات التضييق عليهم بحيث تكون هذه
القضايا المطلبية على طاولة تفاوض صفقة التبادل مع المقاومة في المستقبل، لكي تكون
بديلاً عن مطالب أخرى تراها المقاومة أكثر أهمية.
وحين يُشرع الأسرى لواء تمرّدهم من داخل السجون، فهذا يعني أنهم
يرفضون التماشي مع إملاءات المحتل وسياساته الجديدة، وهو ما يتطلب من حركة الميدان
أن تكون مساندة وجاهزة للتصعيد، بحيث يكون هناك صدى لصرخة الزنازين يتجلى في
الميدان داخل فلسطين وفي الإعلام والمتابعات السياسية والحقوقية على صعيد خارج
فلسطين.
لكن الميدان يحمل الضمانة الأهم لنصرة الأسرى في معركتهم الجديدة،
والتي لن تكون الأخيرة، إذ بمقدار ما يُبديه من حمل للقضية وجعلها عنواناً للتصعيد
مع الاحتلال، سيحسب الأخير حساب المآلات، خصوصاً مع اليقين بمدى حرصه على بقاء
الميدان ساكناً ومشلول الإرادة.
لكن الخشية الآن هي من كونه –أي الاحتلال – قد اطمأن إلى أن حراك
الميدان سيظل ضئيلاً ومعزولاً وغير قابل للتصعيد، وذلك بناء على تجارب سابقة، رغم
أن الحراك الميداني الذي رافق الإضراب السابق عام 2014 كان جيداً إلى حدّ ما، لكنه
لم يصل مرحلة التهديد الواسع لأمن الاحتلال وحمله على دفع الثمن، باستثناء عملية
أسر المستوطنين في الخليل، التي جاءت بعد تنكّر الاحتلال لمطالب الأسرى واستمرار
الإضراب لنحو شهرين، وهو أطول إضراب جماعي في تاريخ الحركة الأسيرة.
الشارع الفلسطيني بات أمام اختبار جديد، تجاه قضيته ومسؤولياته الكبرى
نحوها وعلى رأسها قضية الأسرى، مضافاً إليها قضية انتهاك الأقصى واعتداءات
المستوطنين اليومية في مناطق الضفة الغربية، والأيام القادمة كفيلة بأن تفرز نتيجة
هذا الاختبار، بجميع أبعاده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق