الثلاثاء، 24 فبراير 2015

الحسم في مواجهة التسويات



الحسم في مواجهة التسويات
لمى خاطر

رغم أنها مرحلة تحوّل وتغيّر مستمرين، إلا أنه يمكن القول إن هذه الفترة من عمر الأمة هي مرحلة الحسم في كل الاتجاهات والساحات، وليس التسويات، ذلك أن الاصطفافات بلغت أوج حدتها داخل الأمة، حتى وبعضها يمتد إلى التحالف مع جهات خارجية في سبيل كسر شوكة الطرف الآخر أو التمكين لمشروع ذاتي.

فمن كان يتوقّع مثلاً أن تنكشف طائفية الحلف السوري الإيراني في المنطقة إلى الدرجة التي تسوّغ انضمامهم غير المعلن إلى الحلف الدولي الذي تتزعمه أمريكا في مواجهة ما يسمى بإرهاب تنظيم الدولة وبعض الفصائل الأخرى على الساحة العربية؟ وأن تتهاوى شعارات (الموت لأمريكا) بمثل هذا الانكشاف حين تتحول عناصر هذا الحلف إلى القتال داخل ساحة الأمة وليس في وجه المستعمر الخارجي!

ومن كان يتوقّع أن يمنى الربيع العربي بشكله السلمي بمثل هذه الانتكاسة الكبرى، وأن يتحوّل جزء ممن التحقوا بركبه في البداية إلى صفوف الدولة العميقة في جميع الساحات، ليكونوا أدوات في أيدي الانقلابات على التجارب الديمقراطية، سواء أكانت انقلابات دموية سافرة أم مقنّعة أم التفافية!

هذا الواقع الذي ما عاد يحتمل المساحات الرمادية، يفترض ألا يستوعب كذلك مواقف رمادية قد تنخدع بلغة التسويات من طرف مناهضي إرادة التغيير، لأن هذه اللغة لا تُستدعى إلا حينما يفشل أعداء التغيير والثورات في إقصاء حالة أو تجنب إفرازات أخرى، بينما تجدها تغيب مثلاً حين يصل تيار إسلامي إلى الحكم من بوابة صناديق الاقتراع، ليكون خيار إفشاله والتآمر على إقصائه نهجَ معظم أو جميع معارضيه، سواء أكانوا من أركان الدولة العميقة أم من المنتسبين للتيارات الليبرالية والعلمانية. أما مع تعاظم قوة وحضور التيارات الجهادية العنيفة تبرز محاولات لمغازلة التيارات ذات النهج الإصلاحي المتدرج المؤمن بآليات الدولة الحديثة في ممارسة الحكم، لكن هذا الغزل يستبطن محاولات لاستخدام أدوات إضافية في ضرب عنف التيارات الجهادية، التي تبدو الآن حالة مقلقة لأمريكا وأدواتها في المنطقة، ولأصحاب الأجندات الطائفية في إيران والعراق وسوريا واليمن وغيرها.

ومع الإقرار بخطورة الغلوّ وشدة العنف في فكر وسلوك تلك التيارات وتحديداً تنظيم الدولة، إلا أنه في المقابل سيكون من السذاجة الخطيرة التجنّد في الحلف المناوئ له استناداً إلى الاعتقاد بأن خطره يفوق خطر أصحاب مشاريع التطهير الطائفي، أو المستعمر الخارجي. ولذلك، فالحرب على التنظيم ليست حرب رواد الثورات وطلاب التغيير في ساحاتنا العربية، فهؤلاء عليهم استكمال طريقهم نحو التحرر، دون الانخداع بإمكانية إبرام تسوية مع الطغاة، الذين سيبدؤون بالأنين والبحث عن مخارج مواربة إن واجههم عنف لا قبل لهم به من قبل التيارات الجهادية ذات المنهج الشمولي في التغيير.

وثمة حقيقة يهرب كثيرون من مواجهتها وهي أن الطغيان السافر لا يواجهه إلا عنف مثله أو يتفوّق عليه، وإن كان هناك من يتحفّظ على استخدام أدوات عنفية في صراعه لأجل الحرية، فله أن يكمل مسيرته بأدواته التي ارتضاها، ولكن عليه الحذر من التحوّل لبيدق في يد من سيسعى لاستخدامه لضرب منتهجي العنف في مواجهة الطغيان، أو للانشغال بهم والتغافل عن فعل الإجرام الكبير الذي يملأ فجاج الأرض، حتى كاد يطال جميع الساحات العربية، التي يراد إعادة شعوبها مجددا إلى حظيرة العبودية واسترقاق الكرامة والحقوق.

النزيف في أمتنا سيطول أمده، لكنه يبدو الخيار الوحيد الذي دُفعت له حين أشرعت راية نضالها في وجه الطغاة، ولكن نقيضه لا يمكن أن يكون حلولاً سياسية تسكينية تطيل أمد الظالم وتديم معاناة المظلومين، لأن هذا الخيار ما عاد قابلاً للتطبيق إلا إن تنازل المظلوم عن جميع حقوقه وارتضى إملاءات واقع القوة سواءً من قبل الطغاة التقليديين أو الطغاة الطائفيين، والذين تلاقت مصالحهم في هذه المرحلة لكنس حالة الربيع العربي ووأد تطلعاتها وإحلال واقع أخطر من سابقه، بالاستفادة من حالة التفكك الحاصلة في نسيج الأمة، لأنه بات واضحاً أن هناك من يستغل هذه الثغرات للنفاذ إلى جسد الأمة، فلا أقل من أن يرفض الأحرار والمبصرون أن يكونوا أدوات له، إن صعُب عليهم مواجهته.

الاثنين، 9 فبراير 2015

جرائم مركّبة، ماذا عن الحساب؟!



جرائم مركّبة، ماذا عن الحساب؟!
لمى خاطر

ثمة مشكلة ذهنية مستعصية يعاني منها داعمو الانقلاب العسكري الدموي في مصر، هي اعتقادهم أن أرتال الجرائم التي ارتكبتها سلطة السيسي وجنرالاته لتثبيت انقلابها يمكن طمس آثارها بتقادم الزمن، أو كنسها تحت سجادة الأيام، بحيث يمكن أن تستقيم بعدها حقبة طويلة أخرى من حكم العسكر، حتى وإن كانت أشنع وأفظع من جميع الحقب السابقة.

ومثلما أن داعمي هذا الانقلاب ليسوا حكراً على الساحة المصرية وحسب، بل يتوزعون على مساحة العالم ما بين أنظمة عربية خشبية رأت أن مصلحتها في دعم الجمهوريات القمعية، وأخرى تتقاطع مع نظام السيسي في الفتك والإجرام بحق المطالبين بالتغيير لديها، إضافة إلى حلف الاستعمار وعلى رأسه إسرائيل، وملحقاً بذلك كل الملتاثين عقلياً ونفسياً ومبدئيا، فإن جرائم الانقلاب في المقابل ليست حكراً على الساحة المصرية كذلك، ويكفي التطلع إلى ما تكابده غزة من مرارة الحصار المحكم تارة، ثم رمي مقاومتها بالإرهاب تارة أخرى، وإقناع الدهماء بأن غزة سبب جميع ما تعانيه مصر من إرهاب ومشاكل اقتصادية ونقص في الوقود والخبز والكهرباء!

إنما الآن، وبعد مرور أكثر من عام ونصف على الانقلاب وتبعاته، وعلى حالة القمع والدموية والفوضى التي طبعت الحياة في مصر، وامتدت لتطال حتى داعمي الانقلاب من خصوم الإسلاميين، فإن المشهد ينبئ بأن الأزمات المستعصية التي باتت تُقذف في وجه هذا النظام هي جزء يسير من فاتورة الحساب التي سيتعين عليه دفعها عاجلاً أم آجلا، هذه الأزمات تتجلى في أكثر من مسار اقتصادي واجتماعي وسياسي وعسكري، وتشير إلى تخبط نظام لا يجيد سوى فرض سطوته بقوة السلاح، ولعل تداعيات المشروع الوهمي بحفر قناة أخرى في السويس مثال واضح على ذلك، إضافة إلى مجزرة ستاد الدفاع الجوي الأخيرة، وقبلها تسريبات مكتب السيسي ضد دول الخليج التي دعمته بالمليارات وساهمت في تثبيت انقلابه، ثم جاءت التسريبات لتسيء له أمامها، ولها أمام شعوبها التي بدأت تتساءل عن جدوى إنفاق ملياراتها على نظام من هذا الطراز!

لكل شيء نهاية، وحكم جنرالات القتل الذي نفّذ انقلابه وفق خطة تجاوزت حدوده لن يدوم للأبد، حتى وإن بدا أنه أخذ فرصة أطول مما ينبغي في الحكم والسيطرة، لكن جرائمه المنسربة في أكثر من اتجاه ستظل شاخصة في مسار التاريخ، إنما تبقى مسؤولية مجابهته وإغلاق آفاق عونه ودعمه غير مقتصرة على جمهور الثورة في مصر، ولعلّ شعوب الخليج اليوم أمام اختبار حقيقي، وهي مطالبة بموقف قادر على إلزام حكوماتها بالكف عن دعم اللصوص والسفاحين في نظام الانقلاب، لأن هذا الدعم هو شريان حياته والعمود الفقري لجيش طغى في مصر وعلى حدود غزة، وأسهم في إفقار بلده وتجويع جيرانها، وكل هذا خدمة لحفنة قذرة من لصوص الأوطان، تستند فرص بقائها على قدر ما تقدمه من خدمات لأعداء الأمة وسدنة المشاريع الاستعمارية فيها.

الثلاثاء، 3 فبراير 2015

لماذا القسام؟ لماذا الآن؟



لماذا القسام؟ لماذا الآن؟
لمى خاطر

صحيح أن سؤال (لماذا الآن) لا يبدو مهماً إذا ما طرح بين يدي حدث أو تطور متوقع، لكنه في بعض الأحيان يضيء زاوية في خضم محاولات تفسير وفهم الدور الوظيفي لكيان ما على الساحة.

وصحيح أن قرار القضاء المصري تصنيف كتائب القسام منظمة إرهابية لم يكن مفاجئا، إنما يعبر عن هوية وأجندة نظام الانقلاب باعتباره امتداداً طبيعياً بل متطرفاً لنظام كامب ديفيد، غير أنه لم يكن عبثاً صدوره في هذا الوقت، أي بعد معركة العصف المأكول التي استبسل فيها مقاتلو القسام أيما استبسال في اشتباكهم مع الاحتلال، وبعد نيلهم تأييداً جارفاً على مستوى الأمة، وهو ما يعني أن نظام الانقلاب قد قلب ظهر المجن بشكل سافر هذه المرة للقضايا القومية (وخصوصاً قصية فلسطين) التي ظلّت أنظمة الحكم المتعاقبة في مصر تؤكد على التزاماتها تجاهها وتدّعي تصدّرها أولوياتها.

لا قيمة للحديث هنا عن البعد الإخواني لحركة حماس، وافتراض أنه فقط من يجلب عداء الانقلاب لها أو يسوّغ ممارساته ضد غزة وصولاً إلى وسم كتائب القسام بالإرهاب، ولنا أن نطالع بقليل من التدقيق حجم الاحتفاء الصهيوني بهذا القرار لندرك مدى حاجة نظام الانقلاب إلى مباركة إسرائيلية دائمة لوجوده، مثلما عمل نتنياهو عراباً لهذا الانقلاب في المجتمع الدولي بعد 30/6، في وقت كانت فيه عدد من الدول الغربية غير قادرة على مجاراة الواقع الجديد الذي تأسس على بحر من الدماء والإطاحة يسلطة منتخبة.

وهنا، كان لا بد من تجديد الاصطفافات وإيصال رسالة مباشرة هذه المرة للاحتلال بأن في غزة عدواً مشتركاً لنا ولكم، ولا مجال للتعامل معه بلغة الحوار، وهو ما سينعكس سلباً أيضاً على فرص تنفيذ التزامات التهدئة بإعادة الإعمار ورفع الحصار.

قرار القضاء المصري هو حلقة في سلسلة إجراءات عديدة تستهدف مسار المقاومة وتشترك في إنفاذها أطراف عدة من بينها الاحتلال والسلطة ونظام الانقلاب، وهو يعني أن الخطر المحدق بغزة ومقاومتها لم يعد حكراً على الاحتلال وحسب، ولعل نظام السيسي الذي يشن حالياً حملة عسكرية باطشة في سيناء يظن أنه بإمكانه التحوّل إلى غزة في حال تمكّن من حسم الأوضاع في سيناء سريعا، رغم أن هذا يبدو خياراً غير ممكن على المدى القريب. ولكن في كل الأحوال من الواضح أن واقع غزة ليس في طريقه للانفراج، وفيما تبتعد وتغيب إمكانات التسوية تحل مكانها لغة العداء المطلق دون الإبقاء على (شعرة معاوية) بين غزة والنظام المصري، وهو أمر يبدو متساوقاً بالكامل مع نهج نظام دموي أنجز سيطرته وتحكمه بقوة السلاح لا بمنطق السياسة.

ولذلك يمكن أن نتوقّع ارتفاع موجة التحريض ضد حماس والمقاومة في غزة مع تزايد توتّر الأوضاع في سيناء، وذلك بهدف تسخين المزاج العام وتحريضه ضد غزة ليكون ممكناً اتخاذ أية خطوة ضدها، فرغم أن من يهاجم عسكر نظام الانقلاب في سيناء تنظيمات غير فلسطينية وتعلن بوضوح مسؤوليتها عن عملياتها إلا أن التركيز الإعلامي المصري على وجودها ودورها يبقى ضعيفا، حتى والجيش يشن عمليات استئصال واسعة بحقها في سيناء، ذلك أن المطلوب حشد التحريض وإذكاء الحقد ضد خصم واحد في هذه المرحلة لإيهام العوام بأنها حرب ضد تيار وليست ضد مجموعة أعداء صنعهم هذا النظام، وآخرين يعاديهم كعربون وفاء لحليفه الاستراتيجي (إسرائيل).

بقي أن نقول كذلك إن كلمة السر في حضور كتائب القسام الكثيف في واقع القضية، وفي عداء شياطين الأرض لها، ليست في كونها فقط تشكيلاً مسلّحا يقاوم الاحتلال الصهيوني، بل في حسن إعدادها وجودة إنتاجها من الرجال والعتاد والإنجازات، وفي كونها تمثّل حالة قائمة بذاتها فكرياً وعسكريا، تُحتذى وتُحاكى ولا تنقاد، ويستحيل إخضاعها أو تأجير بنادقها أو إلحاقها بحالة أخرى.
وكلنا ثقة بأن ما عجز عنه الاحتلال سيفشل فيه بالضرورة حراس أمنه وطالبو مباركته وتأييده.