الثلاثاء، 1 مارس 2016

وقفة مع الإضرابات الفردية في سجون الاحتلال



وقفة مع الإضرابات الفردية في سجون الاحتلال
لمى خاطر


ثمة جدل متواصل في الشارع الفلسطيني يتجدد مع كلّ إضراب فردي يخوضه أسير داخل سجون الاحتلال، يتركّز حول الجدوى والأثر لهذا النوع من الإضراب، إذ هناك من يراه غير مجدٍ وأنه بات يشكّل عبئاً على الحركة الأسيرة التي ما عاد بإمكانها استئناف الإضرابات الجماعية نظراً لأن الإضراب الفردي رفع من سقف عدد الأيام التي يتعيّن على الأسير الإضراب فيها قبل أن يلتفت له السجان الصهيوني ويناقش مطالبه. وهناك من يرى أن الإضرابات الفردية لم تحقق إنجازات حقيقية على صعيد نجاحها في توفير حرية عاجلة للمضربين.

ويبدو أن كثيرين ممن يناقشون هذه الظاهرة يغفلون عن مدى الاختلاف بين الإضراب الجماعي والفردي، فالأول غاياته مطلبية، والثاني ينشد الحرية، أضف إلى ذلك أن ارتفاع سقف أيام الإضراب مردّه أن المضرب الفرد الذي يتّخذ قراراً بخوض الإضراب يملك طاقة تفوق ما يملكه المجموع الذي يتناقص في الغالب عدد الملتزمين بإضرابه مع تقدّم الأيام.

والأهم من كل هذا أن الحديث عن انعدام جدوى الإضراب الفردي يفتقد للموضوعية، ففي حالات الإضراب الفردي –وخصوصاً ما حصل مع محمد القيق- نجح محمد من خلال إضرابه في كسر قرارات تمديد الإداري التي كانت ستتخذ بحقه بعد إنهاء تمديده الأول، ورغم أنه سيمضي أول ستة شهور كاملة من قرار الاعتقال الإداري في السجن لكنه ضمن أن يخرج بعدها، في وقت لم نعد نجد فيه أسيراً يكتفي الاحتلال بقرار الإداري الأول بحقه، بل يعقبه بتمديدات متعاقبة تمتدّ لأعوام.

ومن جهة أخرى، تشكّل حالات الإضراب الفردي، كما حدث مع محمد القيق وخضر عدنان ومحمد علان وغيرهم تحدياً مهماً لإجراءات المحتل، بدلاً من التسليم بكل سياساته الاعتقالية والقبول بها من باب عدم إمكانية التأثير عليها، ومثل هذه الإرادة مطلوب حضورها في الوعي والواقع الفلسطيني وفي ظل الاحتلال، لأنها تكسر نمطية التعايش مع حالة الاحتلال والاضطرار لتحَمّل كل إفرازاتها، إذ ليس من الصواب ألا تواجه ظاهرة الاعتقال الواسعة في الضفة بما يكسر حدّتها ويؤثر على تغوّلها، والإضرابات الفردية شكّلت حتى الآن حالة التحدي الأفضل لها.

أما عن سلبيات هذه الإضرابات فتكاد تتلخّص في انعكاسها ميدانياً في الخارج عبر حالة واسعة من المزايدات، يقودها في الغالب مترفون ومنظرون، تارة بإلقاء اللوم على الفصائل، وتارة بنشر اتهامات وأكاذيب لا أساس لها، مع العلم أن إمكانية الإسناد الخارجي للإضراب الفردي تبقى محدودة، رغم أهميتها الكبيرة وخصوصاً حين تكون على شكل مظاهرات عند مناطق التماس مع الاحتلال، لكن الواقع يؤكّد دائماً أن حجم تفاعل الجمهور مع أي إضراب فردي لا يمكن أن يكون بحجم التفاعل مع نظيره الجماعي أو مع أي قضية تهمّ قطاعاً واسعاً من الجمهور وتستثير همّته وحميّته، وهذا الأمر لا علاقة للفصائل به، بل هو متعلّق بطبيعة الجمهور ومستويات تفاعله مع مختلف القضايا، فعلى سبيل المثال، نظمت حركة حماس عدداً كبيراً من الفعاليات في الضفة وغزة نصرةً لمحمد القيق، لكن حجم التفاعل معها كان متواضعا، ذلك أن قطاعاً واسعاً من الجمهور كان يراها قضية فردية بالدرجة الأولى، رغم أنها في جوهرها ليست كذلك، بل جزء من متطلبات تحدي الحالة الاعتقالية وخصوصاً الاعتقال الإداري الجائر الذي أكل أعمار الآلاف من الشباب في السجون، إنما لا يمكن الافتراض بأن عامة الناس يمتلكون الفهم ذاته حول ضرورات التحرّك وأهميّته حتى لو كان لأجل قضية فردية تهمّ المجموع في جوهرها. فالتحرك الميداني الواسع يتطلب درجة عالية من التسخين قد لا تكون متاحة في كل قضية.

في النهاية، يبقى الإضراب الفردي خياراً ذاتياً يتّخذه الأسير بمحض إرادته، ولا يملك أحد أن يصادر منه هذا الحق، ولكن في المقابل ينبغي أن يكون التعامل مع هذا النوع من القضايا واعياً ومدركاً بعيداً عن التورّط في المزايدات الفارغة ووصلات الهجاء الجماعي التي يمتهنها كثير من الناس، وخاصة من لا نصيب لهم في ميدان الفعل، إذ لا أسهل من اجتراح الاتهامات والمطالبات دون دفع ضريبة للفعل، ولا أسهل من استدرار عطف الجمهور بترحيل الأزمات نحو مساحات عبثية، لا سيما في فضاء مواقع التواصل، حيث تكثر الثرثرة والتذاكي والهوس باستجلاب المتابعات وادعاءات الفهم، ولو على حساب الحقيقة والموضوعية والصدق مع الذات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق