الأربعاء، 16 مارس 2016

عن وهم تغيّر النظام الرسمي العربي



عن وهم تغيّر النظام الرسمي العربي
لمى خاطر


يخطئ كثيراً من لا يزال يعوّل على إمكانية أن يخرج من تحت عباءة النظام الرسمي العربي بكل مكوّناته فائدة حقيقية فيما يخص القضية الفلسطينية أو غيرها من القضايا العربية، أي فائدة تعود على قضايا الأمة بحل جذري وعلى إنسانها بما يلبي احتياجاته وأولوياته، وخصوصاً متعلّقات حريّته وكرامته، وليس أدلّ على استمرار حالة الانحدار لهذا النظام من تعيين (أحمد أبو الغيط) أميناً عاماً للجامعة العربية.

وفي هذا السياق ينبغي النظر إلى زيارة وفد حماس الأخيرة للقاهرة ثم لغيرها من الدول العربية، إذ إن مجرد القول بأن الزيارة بحدّ ذاتها تعد اختراقاً لجدار القطيعة مع نظام السيسي لا ينطوي على قيمة حقيقية، فالمهم هو النتائج المتحصلة من الزيارة أو الجولة وليس حدوثها بحد ذاته، خصوصاً أن حركة بوزن حماس تقود مشروع المقاومة في فلسطين يُفترض أن تحظى بالمكانة التي تستحقها في الأوساط الرسمية العربية، أي المتوازية مع حجم إنجازاتها المقاومة وصونها لثوابت القضية الفلسطينية، لا أن يتصوّر بعض المحسوبين على حماس بأن سماح النظام الرسمي العربي للحركة بالتقارب معه أو لقاء بعض مكوّناته هو رافعة للحركة أو لمشروعها. فهذا النظام الرسمي المتهرئ على صعيد الفعل والإنجاز سيظل هو في حاجة لأن يحسّن علاقاته مع حركات التحرر في فلسطين وغيرها لتحسين حظوظه وتعديل نظرة شعوبه إليه، وليس العكس.

ومع ذلك، فثمة جملة من الوقائع تشي بأن التفاؤل بما بعد هذا الانفتاح العربي (الجزئي والشكلي) على حماس ينبغي ألا يبعث على تفاؤل مطلق أو توقّعات مبالغ فيها، فلو كان شيء من ذلك قابلاً للحدوث لحصل عشية الحرب الأولى على غزة 2008/2009، حين عُقدت قمة عربية لأجل غزة وشاركت فيها حماس لأول مرة (وآخر مرة أيضا) بوفد رسمي يمثل رأس هرمها السياسي، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ لا شيء يتعلق برفع حصار غزة أو دعم المقاومة أو تأكيد شرعيّتها، كل ما في الأمر أن سخونة الدم وقتها فرضت شيئاً من الحياء على السياسات الدبلوماسية الرسمية، في وقت لم تكن هناك ثورات قد حصلت ولا تغيّرات اعترت بنيان بعض هذه الأنظمة.

ولذلك، ليس منتظراً الآن، وبعد هذا التردي الكبير في واقع الأمة السياسي أن تنتج هذه الحالة نهوضاً في الاهتمام بقضية فلسطين وفي قلبها مسار المقاومة، ذلك أن الهواجس الأمنية باتت المعيار الذي تتعامل وفقه منظومة الأنظمة العربية، وهو معيار منطلق من مصلحة وحيدة تتمثل في الحرص على كل ما من شأنه أن يبقيها مسيطرة وغير مهددة بالتغيير، ولا يبدو أن أزمات بعضها الداخلية المتفاقمة (مثل مصر) يمكن أن تدفعها نحو تغيّرات تطال سياساتها الأساسية، لأنها في المقام الأول ليست مستعدة لاستعداء النظام الدولي سواء لأجل حماس أو لأجل مستقبل القضية الفلسطينية عموما.

ولهذا يبدو دائماً من المهم عدم الإسراف في البناء على توقّعات تنطلق من تحليلات رغائبية للمشهد المحلي والإقليمي، حتى لا تكون النتائج صادمة، كما كلّ مرة، بل ينبغي تقدير كلّ خطوة وفق مقاسها الحقيقي لا المتوهّم، حتى لو كانت تلك الخطوة واسعة وفيها افتراق واضح عن سابقاتها، ولعلّ بعض ما كان بمثابة (يقينيّات) ثم جرفها تيار الحقائق المتحصّل بفعل موجة الثورات المضادة وما أسسته من مفاهيم وسياسات يحيلنا إلى ضرورة إبصار اليقينيات الجديدة، ولكن دون تقديس أو استخفاف، والأهم من ذلك دون تعويل على جملة من الأوهام يُتقن بعض السياسيين تجميلها وتزييفها، ووضعها في سياقات خاطئة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق