إنصاف المرأة يبدأ من المرأة
لمى خاطر
كثير هو ما يقال في يوم المرأة (8/آذار) من كل عام، لدرجة تحوّله إلى
مقولات نمطية مكرورة يُعاد إنتاجها كل مرة، متمحورةً حول مفردات العدالة والمساواة
والتمكين، وغير ذلك من مصطلحات تحوّلت مع الوقت إلى مجرد (كليشيهات) لا بد من
حضورها في كل تنظير يتعلّق بالمرأة وحقوقها.
وقد بتنا نجد أن من يريد إثبات احترامه لحقوق المرأة يتخذ من قضايا
المشاركة السياسية ووصولها إلى مراكز صنع القرار مدخلاً لذلك، مع إضافة بهارات
متعلقة بلزوم رفع درجة تمثيلها في المؤسسات الرسمية المختلفة. فهل هذا ما تحتاجه
المرأة حقا؟ وعلى النطاق الفلسطيني؛ هل لدينا نظام سياسي مستقر أو حياة مدنية
سليمة لكي نبذل وقتاً في هذه المطالبات التي ستذروها الرياح بمجرد انتهاء الحديث عنها؟
نظراً للظروف الخاصة التي يعاني منها المجتمع بأسره وهو تحت الاحتلال، وسواء أكان
رجلاً أم امرأة!
إن فهم حاجت المرأة الأساسية سينطلق قبل كل شيء من فهم وجوه معاناتها
الجوهرية، وهي تكاد تنحصر في جانبين: الأول ما يفرزه وجود الاحتلال من معاناة عامة
وخاصة، لأن هذه المعاناة حين تطال الرجل فإن انعكاسها على المرأة في محيطه يكون
واضحاً ومباشرا، كتعرضه للأسر أو الشهادة أو الإعاقة، وهو ما يعني ضرورة الالتفات
إلى تبعات هذه القضية ومدى تأثيرها على المرأة، أما الجانب الآخر لمعاناتها فهو
الإفرازات الاجتماعية للعادات والتقاليد الجائرة، وهيمنتها على وضع المرأة
وانتقاصها من حريتها، وكرامتها أحيانا، حين يتم بموجبها منح الرجل وصاية مطلقة على
كل متعلقات المرأة وقراراتها وحريتها في اختيار ما يناسبها، وحين تظل في عرف
المجتمع كائناً منقوص الأهلية، وملحقاً برغبات الرجل، ومفروضاً عليها أن تتحمل ما
تعانيه في ظلّه، وأن تكون مجرّد آلة لإرضائه على جميع المستويات، حتى وإن لم يبذل
لها ما يقابل صنيعها.
وهنا، وبعيداً عن ذمّ تلك الأعراف التي نازعت الشريعة الإسلامية
مكانها ومكانتها، وأسقطت ما أقره الإسلام من حقوق أساسية للمرأة أو تصورات لوضعها،
حين قرّر أنها كيان كامل الأهلية، إلا أن هناك قضية مهمة ينبغي الالتفات إليها إذا
ما كانت هناك رغبة حقيقية بتغيير واقع المرأة في المجتمعات العربية، وإنصافها كما
يجب. وهي ضرورة أن يتحول الأمر إلى ثقافية مجتمعية لا مجرّد شعارات يتم ترديدها في
المواعظ واللقاءات الإعلامية ثم تُحيّد عند الممارسة.
ولا شك أن بداية الطريق تبدأ من عند المرأة نفسها، وخصوصاً الأم داخل
الأسرة، لأن الأم التي تربي أبناءها على واقع التمييز بين الذكر والأنثى منذ لحظة
الولادة سينشأ في ظلّها رجال يحملون مفاهيم مشوّهة حول المرأة، ونساء تلاحقهن
دائماً عقدة النقص والدونية والضعف، والأم التي تصرف جلّ اهتمامها على أبنائها
الذكور وتجعل من شقيقاتهم خادمات لهم، وتعطيهم وصايةً مطلقةً عليهن، ستساهم عملياً
في إبقاء حال المرأة متراجعاً وحقوقها مغيّبة واحترامها ناقصا. وعلى العكس من ذلك
نتاج المرأة التي تحسن تنشئة أبنائها وبناتها وتمنحهم فرصاً متساوية للتميز
والحضور والإبداع، وتعزز فيهم مفاهيم سويّة حول علاقة الرجل بالمرأة، وحقوق
وواجبات الجانبين.
ووعي المرأة بمركزية دورها في الإحسان إلى ذاتها وإنصافها سيختصر
الكثير من مراحل تحسين أوضاعها ورفع الظلم الاجتماعي الواقع عليها، لأنها هي
المربي الأول والغارس الأول للمفاهيم والتصورات في عقول الناشئة، وبالتالي فلا
يُنتظر منها ممارسة الازدواجية فيما يتعلق بقضيتها.
ومع ذلك، فإن قضية المرأة ليست بجعلها حزباً أو طائفةً أو أقليةً
مضطهدة، حتى وإن كانت هناك جوانب من الظلم الاجتماعي البيّن الواقعة عليها، فهذه
تنتهي حين تُبصر المرأة مكامن قوّتها وحقيقة حقوقها، وحين يتخلى الرجل التقليدي عن
عبادته لموروثات الغطرسة التي تبيح له امتهان إرادة المرأة في محيطه أو تكييفها
وفق مقاسه وهواه
.
لا تحتاج المرأة أكثر من أن تُمكّن من الوقوف في مكانها الصحيح
والملائم طاقَتها وحدود إبداعها، دون أن توصدَ في وجهها الأبواب، ومثلما عليها أن
تناضلَ على هذه الجبهة، ينبغي لها في المقابل أن ترفضَ إقحامها على مواقع وأماكن
لا تُضيف لها ولقضيتها أو رسالتها شيئا، بل تُدفع لها أحياناً دون امتلاكها خبرة
أو كفاءة، ولمجرد رغبة بعض مهووسي مجاراة الحداثة بتزيين مشهدهم بديكور اسمه
(المرأة).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق