الجمعة، 28 نوفمبر 2014

رسائل وقضبان (1)



لم أعتد الكتابة عنك، رغم أنني كتبت لك كثيرا حين كنتَ في سجنك الطويل، متنقلاً بين (النقب) و(عوفر) و(ريمون)، عبر رزمة من الفصول المتعاقبة..

لكن دافعي للكتابة عنك الآن، وأنت في سجنك (الفلسطيني) يشبه حاجة المرء لأن يصدح بوفائه وامتنانه لمن يستحقه، حتى وإن لم تربطه به علاقة مودة أو قرابة، فكيف بمن يمثّل نصفه الآخر وظلّ روحه وشطر هويته غير المرئي للآخرين؟!

كنت سأختزل وصفي حضورَك الكثيف في عالمي بالقول إنك وطني، وأنا التي أرى كل الأشياء في مرآته، غير أن شروخ الوطن الكبيرة باعدت بيني وبين هذا الاختزال، فعهدي بك رجلاً مكتمل المروءة؛ قامةً من وفاء، وشلالاً لا ينقطع من عطاء، وسَنداً لا يتعبه طول الوقوف على حواف المحن، ومُحبّاً يبذل صدقه فعلاً لا كلاماً مرسلاً بلا رصيد..

جعل الله أيامك في سجنك ظلاً وريحانا، وأعادك لنا شامخا أبيّا

الاثنين، 6 أكتوبر 2014

سيكتب التاريخ ذات يوم:
إن من سِمات عصر حماس في مرحلة ما قبل التحرير أن الفرح كان يتسلّل إلى فلسطين المحتلة من فوهات البنادق كلّ بضع سنوات، فيعايشه الناس أياماً متواصلة، رغم ظلام الاحتلال، ويستبشرون من خلاله بيوم التحرير الكبير.

وأن هناك مِن مجاهدي الحركة مَن كان مستعداً للموت لافتداء أسرى وطنه، وتحرير من حُكم عليهم بالموت مقيّدين.


الأربعاء، 1 أكتوبر 2014



ما زلنا نتعلّم أن الأوطان المحتلّة لا تُعين على شيء؛
لا التفكير، ولا الطموح، ولا الحلم، ولا حتى طمأنينة الوجدان

ومن يسكنه همّها فيحتل جميع مسامات روحه يظلّ في حالة عراك مع سؤال الجدوى..

وحدهم الذين أبصروا واجبهم الكبير تجاه أوطانهم المحتلة، فأدوا ما عليهم ودفعوا الأثمان الكبيرة؛ وحدهم من تخففوا من حمل تأنيب الضمير وشكوى القلب وملل الأطراف.

إذ بقدر ما تعمل لتقصير تلك المسافة الشاسعة بين ذاتك وحلمك؛ تنفسح في نفسك أبواب السكينة، ويغمرك اليقين؛ عملة هذا الزمان النادرة.

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

انتفاضة النفوس!

انتفاضة النفوس!
لمى خاطر


كثير ذلك الذي يمكن أن نكتبه ونتناوله في ذكرى انتفاضة الأقصى؛ دلالاتها وتطوراتها ومفاجآتها، والنتائج التي أفضت إليها ( أهمها تحرير غزة)، ثم المخططات التي وضعت ورُتبت لإجهاض روحها ومنع تجددها، ولحمل الوعي الجمعي على الزهد بجدوى الانتفاضات الجماعية التي يمكن أن تبذل فيها الدماء رخيصة، ثم لا تلبث أن تتحول وقوداً للعمل المسلّح المجرد من حسابات الخسارة، والمتسارع في مدّه بقدر ما يُتاح له من حرية للإبداع والعطاء.

ولعل تزامن الذكرى هذا العام مع حادثة اغتيال البطلين القساميين عامر أبو عيشة ومروان القواسمي في الخليل ألزمني بالتركيز قليلاً على قضية واحدة في ظلال الحدثين، وهي الأثر، الأثر الذي قد يصنعه فعل نوعي واحد، بكل ظروفه وإفرازاته ونتائجه، وكيف يتفوّق هذا الأثر على أفعال كثيرة متناثرة سرعان ما تنسى.

والحال أنني أتحدث هنا عن ساحة الضفة حصرا، لأن الأثر المتحصل من فعل المقاومة في غزة ونوعيته وتركيزه خلال معركة (العصف المأكول) مفهوم وملاحظ، وهو أساس التحوّل الحالي في المزاج الفلسطيني العام، وانزياحه باتجاه القناعات التي يتضمّنها نهج المقاومة، وما يترتب عليه من تضحيات جمّة.

لكن الضفة هنا، حتى وهي مهيضة الجناح، برز فيها مثال لحدث بالغ التأثير (عملية الخليل)، بسبب استثنائيته وإنجازه في توقيت معقّد وظروف شائكة، وعلى مشارف حالة مأزومة على عدة صعد، سياسياً وعسكرياً وميدانيا، ومن هنا ظلّ مكتسباً زخمه الكبير الذي تغلغل في النفوس وفتح نوافذها على حقائق كانت مغيبة أو منسية، سواء على صعيد تحرر الإرادة من عجز الواقع، أو ما يخصّ طبيعة النماذج المنتجبة للفعل المقاوم، وملامح سيرتها ومناقبها، وكيف اختلفت عن غيرها حين لم تدر ظهرها لنداء الواجب، وما الذي أهّلها لتسلك الدرب الأصعب وهي مبصرة مآلاته، وراضية بمصيرها المتوقع.

أغلق المحتل فاتورة حسابه بالإعلان عن اغتيال الشهيدين، لكن الأمر لم ينتهِ هنا، فأثر الدماء المبذولة في إطار الصورة الكلية للحدث ونتائجه (وليس نهاياته) ما زال متفاعلا، غير أن رصد هذه التفاعلات والمدى الذي بلغته لا يُتاح لمن يستعير النظريات المجردة في تقييم الفعل والتعاطي مع حدث الشهادة، ولا لمن يرى أن خسارة الشهيدين أثقل من تلك الانتفاضة النفسية التي صنعاها، وخلخلة بنيان الجمود الذي كاد أن يصبح قدراً لا فكاك منه في عرف كثير من مستثقلي ضريبة التغيير.

جمر تحت الرماد، ونار تضطرم في النفوس، تلك هي محددات الخطوة القادمة المطلوبة والمنتظرة، فالأحداث الفاصلة لا تصنعها نفوس تقليدية وادعة، تألف التعايش مع كل حالة ذلّ مفروضة عليها، وتنشغل في حشد مسوّغات الانكفاء أو توصيفها، وانتفاضة النفوس هي حجر الزاوية في مشهد التغيير، وبدونها يكون الحلم بالانتقال إلى عهد مختلف (كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح).. لكن حدوث الانقلاب النفسي الكامل لجيل بعينه تَلزمه نماذج من واقعه القريب، وهي المنائر التي تنتصب شاخصة على طول الطريق، فلا تنطفئ، ولا تبلى، لأنها امتلكت المفاتيح الأولى وواجهت العواصف وحيدةً ابتداءً فحقّ لها أن تصنع طوفاناً تأثيرياً لا يغادر نفوس وعقول سالكي نهجها.

جرح يتّسع، وبدر يكتمل!

جرح يتّسع، وبدر يكتمل!

لمى خاطر
 
 

اغتيال وجرح.. شهادة ونافذة بهاء.. احتراق وارتقاء
نجوم تنبثق من آخر حدّ يسيل عنده الدم
أشواق تستعر حين تفاجئها المواجع
لكنه الاصطفاء، فقه الشهادة وسنّة الجهاد وأمنية الفدائي القارئ مصيره بين دفتي مصحفه (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)
المصير الذي أبصره وهو يُذيب حديد المستحيل ويصنع انفساح اللحظة الاستثنائية، ويطلق ترنيمته الأشهى في لحظات عمليته الأولى
عامر ومروان أبصرا مصيرهما مبكّرا، وأيقنا أنها ميتة واحدة، وأن من لم يمت بالسيف مات بغيره، فآثرا اقتفاء آثار النجوم، فما عاد في الأرض ما يغري بالمقام
واليوم؛ حملا أسرار اللحظات كلّها ورحلا، حملا عطر الربيع ووهج الصيف ونكهة أوّل الخريف ورحلا..

لا تذرفوا الدمع على عامر، ولا تجللوا وجه مروان، اتركوا للشوارع أن تستنفذ حزنها، وتغسل وجومها.. امنحوها فرصة أخيرة لأن تستذكر أصداء الأصوات التي كانت تمجّد اسميهما في كل غدوة وروحة

واتركوا لنا أن نكتسي لونَ دمهم إلى حين، أن نطرّز حوافّ قلوبنا بيقين الأمهات والزوجات الصابرات.. أن نختلس النظر للإباء إذ يتمثّل لنا بشراً سويا، إنساناً من لحم ودم، وعاطفة تحبّ وتتألّم، لكنها تفاضل بين أشواقها، فيغلب شوقُها للسماء أرضيتَها وبشريتَها، كما يغلب ضعفَ المرتجفين، ويهزأ بانسحابهم إلى ذواتهم.

في اليوم التالي للشهادة:
طائرة الاستطلاع (الزنانة) تغادر سماء الخليل..
الدورية التي ستداهم بعض الأحياء هذه الليلة ستتخفف من رتلٍ من احتياطاتها التحصينية لأن آخر البنادق تفجّرت..
العساكر (الوطنية) الجالسة في مربعها الأمني ستبذل وقتاً أطول في تلميع (سباطاتها) وعدّ رصاصاتها المحسوبة أصلا..
سيأخذ العسس والوشاة قسطاً وافراً من الراحة يتخلله قدر قليل من تأنيب الضمير، ويخالطه عزاء أكبر لأن مهمتهم كانت (وطنية)..
الهلال يتصاغر ويختفي في السماء، ثم يتشكّل آخر وينمو على مهل..
لكنّ موعد اكتمال البدر، لن يتنبّأ به أحد.

في اليوم الثالث للشهادة:
السارية صارت جذراً تخيّر عمقه بإرادته واختياره
الطريق غير المرصوفة بحسابات الخسارة تكاثَرت مساربها
العتق من الذلّ غدا نهجاً يُحتذى وقصة تُروى وتفاصيل تُتداول
المدينة التي تحفظ الودّ لأنبل فرسانها باتت أكثر دراية بأصول احتضانهم
خيبة الطارئين على المراحل تخشى لسع المفاجآت، ورهبة النجمة السداسية في مستوطنة (الكريات) ارتسمت حدوداً لا تُمحى.

 

المقاومة لا تنشأ من الفراغ!

المقاومة لا تنشأ من الفراغ!

لمى خاطر
 

الأيام الطويلة نسبياً التي عشناها كفلسطينيين في ظلال بركات المقاومة خلال العدوان على غزة يفترض أن تكون قد منحتنا وعياً بمصادر قوتنا وأسباب صمود جبهة غزة واستعصائها على الاختراق للمرة الثالثة خلال ست سنوات فقط.. حيث كانت المرةُ الأخيرة الأخطرَ والأصعب، خلافاً لما توقّع كثيرون. ذلك أنها هذه المرة خاضت الحرب وهي مستنزفة بأعتى درجات الحصار، ومكشوفة الظهر من كل الجهات إلا من جهة جبهتها الداخلية، بعد أن تخلى عنها داعموها القدامى، أضف إلى ذلك أنها كانت تواجه حلفاً تجنّدت فيه أطراف عربية إلى جانب الاحتلال، في ظل حملة استئصال واسعة تستهدف التيارات الحرة في الأمة كلّها منذ الانقلاب في مصر.

فالحرب على غزة، كما في عواصم عربية أخرى؛ تُشنّ على مظاهر النماء في الأمة، على مواطن التفوّق، على بوادر الصحوة، على براعم النهوض، وعلى التجارب والحالات والظواهر غير الخاضعة لاعتبارات الوصاية وبيع المواقف.

وغزة، بحماسها وسلاحها وجمهور المقاومة فيها، بدت بعد الحرب بؤرة تفوّق وتمرّد كبرى، لا يسهل إخضاعها لمخططات الترهيب أو الترغيب، ولا استحداث أجسام فيها مؤهلة لافتعال أزمات داخلية، ولذلك سيجري الرهان في أوقات إغماد السلاح على إفراغ طاقتها من الصبر، وعلى محاولات ابتزازها بلقمة عيشها، وعلى إخضاع مشاريع إعادة الإعمار لاشتراطات المجتمع الدولي، والإقليم العربي المتورّط بدعم الثورات المضادة المناوئة لإرادة التغيير، فالتغيير ليس عدو الدول ذات العقلية الاستعمارية وحسب، بل جالب الهواجس والكوابيس لدى ممالك القهر والجمود في أوطاننا العربية كلها.

تبدو الإشكالية اليوم في أن هناك من الفلسطينيين الداعمين لخط المقاومة وخيارها من يرى أن مهمته تقتصر على تشجيع المقاومة وتبيان فضائلها وهي تقصف تل أبيب وتقتحم حصون المستوطنين وتوقع الإصابات اليومية في وحدات نخبة جيش الاحتلال. لكنه سرعان ما يرتدّ إلى لامبالاته أو هجائه لكل التنظيمات بلا تمييز إذا ما وضعت الحرب أوزارها، وكأنه يفترض أن المقاومة تُستحدث من الفراغ، وتهبط صلبةً بلا مقدمات، وبدون بيئة حاضنة ونهج سياسي راعٍ لتطورها، وبلا جهد في توفير عناصر النجاح لها، ولذلك نجد ذلك الصنف الانتقائي من جمهور المقاومة لا يلبث أن يقع ضحية لإفرازات الأزمات المفتعلة في غزة، فيتجاهل دوافعها وأسبابها الحقيقية، ويساهم في التركيز على النتائج محملاً لومه للطرف القوي فيها أي حركة حماس، رغم أنها ليست المتسبب في الأزمة ولا العنوان الذي يتوجّب إدانته وتعرية دوره، فتكون النتيجة إضافة ضغوط أخرى على حالة المقاومة ككل، المتركزة اليوم في ساحة غزة، مع تناسي أن المقاومة صمدت وتطورت لأنها لم تخضع لابتزاز محاصريها، ولم تغامر باستجلاب المشبوهين وتمكينهم من مفاصل الحكم والقرار، فالبيئتان السياسية والاجتماعية مقوّمان أساسيان للمقاومة المبصرة والمنضبطة والنظامية، والخلل الناشئ فيهما سينعكس بالسلب حتماً على وضع مقاومة تجابه عدواً يتفوق عليها عسكرياً ويملك محاصرتها جغرافياً واقتصادياً حينما يسجّل إخفاقاً عسكرياً جديداً في محاولات إفنائها.

من ينحاز لخيار المقاومة ينبغي أن يكون بارّاً بجميع مقومات نهوضها وموجبات صمودها، سواء أكان فرداً أم تنظيماً مساهماً فيها، لكنّ تخيّر ما يناسبه منها، أو الالتصاق بها لنيل بعض أمجادها فهي شيمة أقرب للانتهازية منها للمبدئية، ومن يرى نفسه شريكاً في مكاسب المقاومة المعنوية، ينبغي أن يكون شريكاً في مغارمها أيضا، وفي حمل جانب من همومها الواسعة، والذود عنها كحالة متكاملة لها استحقاقات كثيرة لا تقتصر فقط على العمل العسكري. لأنه لو تمعّن في دلالات مشهد ساحة أخرى تُجرّم فيها المقاومة ويصادر فيها سلاحها، لأدرك ضرورة أن يحفظ لرعاة المقاومة معروفهم، وأن يحافظ على مكتسبات الساحة الناهضة بها، بعيداً عن المزاجية والانسحابية التي نراها تتجلّى حينما يوضع طرف بعينه في عنق الزجاجة، ويكون مطلوباً منه وحده أن يتعامل مع إدارة حياة الناس في ظلّ الحصار، إلى جانب رعايته وحمايته مشروع المقاومة، الذي يُفترض أنه لا يخصّه وحده.

 

الثلاثاء، 3 يونيو 2014

والمقاومة بألف خير!



والمقاومة بألف خير!
لمى خاطر


في كلمته عقب إعلان الحكومة الجديدة، قال السيد إسماعيل هنية "إننا نغادر الحكومة، والمقاومة بألف خير".. والحقيقة أن ما قدمته حماس للمقاومة في غزة؛ حركةً وحكومة، أمر لا ينكره منصف، حتى لو كان على خلاف مع الحركة. فالتطور الذي شهدته المقاومة في عهد الحركة بادٍ للعيان، وتم اختباره ميدانياً في جميع جولات المواجهة التي خاضتها غزة منذ عام 2007. وحسْب الحركة –على الصعيد المقاوم- أن عملية وفاء الأحرار جرت في عهدها وبرعايتها.

غير أن كلّ محب للمقاومة ومنحاز لمشروعها سيبدأ من الآن فصاعداً بالقلق عليها وعلى مستقبلها، حتى مع التأكيدات الكثيرة بأن المقاومة ستظل مصانة، خياراً وعتاداً وجيشا.. لكن الأمنيات شيء والواقع شيء آخر. خصوصاً بالنظر إلى طبيعة البرنامج السياسي للسلطة، وبإفرازاتها السيئة على واقع المقاومة في الضفة الغربية منذ عام 2007، إضافة إلى التغيرات ضمن النطاق الإقليمي، والتي لا تشي حتى اللحظة إلا بموجبات القلق من المستقبل، في ظل الحرب الاستئصالية الواسعة المنتهجة ضد التيارات الإسلامية المثمرة في الأمة، ولن تكون فلسطين استثناء.

لا نقول هذا الكلام من باب تغليب التشاؤم، أو التعلق بنظريات المؤامرة والرهان عليها، بل لأن نهج المقاومة يحارب علناً ودون مجاملة، ولن يكون تذاكياً زائداً أو توقعاً خارقاً اليقين بأنها اليوم أمام تحديات كثيرة، أبرزها إمكانية تجريمها واستهدافها في المستقبل ووسم سلاحها (بغير الوطني) نظراً لأن قوانين السلطة لا تجري عليه، وهي القوانين التي قزّمت مفهوم الوطنية، حتى غدا يعني كل ما هو مضاد للوطنية الحقّة.

لقد كانت حماية المقاومة هي الإيجابية الأهم لوجود حماس في حكم غزة، بل إن المقاومة كانت تواجه خطر التصفية الشاملة قُبيل حسم 2007، ولذلك فإن المخاطر المحيقة بها لن تظهر الآن، بل عقب إجراء الانتخابات القادمة، وهي الانتخابات التي سيُعاد فرض الاشتراطات الدولية السابقة على نتائجها، بغض النظر عن الطرف الفائز.

ولذلك، فإن كانت حماس قد تخلّصت الآن فعلاً من أعباء الحكم، فإن عليها أن تجتهد في التركيز على اجتراح آليات حماية مقاومتها في غزة، واستنهاض نظيرتها في الضفة، وإن كانت إشكاليات تشكيل الحكومة قد شهدت مبادرات مرنة وواسعة من حماس لتذليلها، فإن هذه المرونة ينبغي ألا تنسحب على موضوع المقاومة، لأنها الثابت الأهم لدى حركة يُفترض أن تبقى لصيقة بمنطلقاتها.

ومسألة المقاومة لا يجوز طرحها للتداول مع فريق أو قيادة تجاهر برفضها وملاحقتها، بل إن حمايتها رهينة بالتوافق مع الفصائل المؤمنة بها والرافعة لواءها، ومثلما أن حماس لا تملك فرض وصاية على حركة فتح والسلطة في نهجهما التفاوضي، رغم أنه مستنكر من قبل غالبية الفلسطينيين، فإن قيادة السلطة لا يجوز أن تمنح نفسها تحت أي ظرف الحق في التدخل في خيارات المقاومة، أو الاقتراب من قوامها، تحت أية ذريعة أو حجة، وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات القادمة.. هذا ما ينبغي أن تعمل عليه حماس الآن، إضافة إلى سعيها مع بقية القوى المؤمنة بالمقاومة إلى انتزاع ضمانات واضحة وموثقة بعدم المساس بها، فهي ليست فقط رصيد الفلسطينيين الحقيقي، بل قلعة الأمة الأخيرة أيضا.

الاثنين، 12 مايو 2014

إنها معركتنا كلّنا؟!



إنها معركتنا كلّنا؟!
لمى خاطر


لعلّ أكثر ما يؤسف بعد مرور نحو 20 يوماً على إضراب الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال أن هناك من يتعامل مع الأمر باعتباره متعلقاً فقط بالفئة التي حملت لواء هذا الإضراب، أو من يظنّ أن مطالب الإضراب مطلبية؛ هدفها تحسين ظروف الاعتقال.

لفهم خطر الاعتقال الإداري على مسار مشروع التحرر الوطني في فلسطين، علينا أن نلاحظ أن الفئة التي يستهدفها هي بالدرجة الأولى تلك التي تحظى بحضور واسع في أوساط الجماهير، أو التي تملك مفاتيح التأثير، أو التي يساهم وجودها خارج السجن في استنهاض الروح الوطنية للناس، وتوجيه حراكهم، وضبط إيقاع المسير، خصوصاً في المراحل الفاصلة.

ومن جرّب الاعتقال الإداري، أو من كان ضحية غير مباشرة له، يعرف جيداً كيف يعدّ هذا النوع من الاعتقال في سجون الاحتلال وصفة إماتة بطيئة للفعل الوطني، وتفتيت للإرادة، عبر استنزاف عمر الأسير في السجن أو تركه خارجه منتظراً اعتقاله التالي، كونه يتم دون محاكمة، وفقاً لاتهامات لا يطلع عليها الأسير أو محاميه، وتظل رهن ما يُعرف بالملف السري. أي أن الأسير عملياً لا يعرف سبب اعتقاله، مما يُبقيه أسير هواجس كثيرة إضافة لقضبان زنزانته. إضافة إلى تحوّل الاعتقال الإداري ذاته إلى هاجس للأسير بعد خروجه، الأمر الذي يبقيه رهن التوقّعات الدائمة بالاعتقال على خلفية أي نشاط وطني أو تنظيمي.

ولذلك، فإن معركة الإضراب الحالي مهمة ومصيرية، ويُفترض أن تكون محل اهتمام كل فلسطيني صاحب حسّ وطني، لأن فدائيي الإضراب لا يخوضونه لأجل أنفسهم فقط بل في سبيل وضع حدّ لملف الاعتقال الإداري كلّه.. وبالتالي، بناءً على حجم التفاعل الخارجي مع هذه القضية سيكون حجم إنجازات المضربين، ومن لا يملك خوض المعركة بأمعائه يمكنه خوضها بأشكال أخرى خارج السجن، على أمل أن يصنع ذلك الجهد الجماعي المتنوّع انتصاراً حقيقياً يكلّله وضع حد لسياسة الاعتقال الإداري، على أمل أن يسهم التخلّص منه أو تقنينه في إحداث أثر إيجابي على أرض الواقع في الفترة القادمة.

من جهة أخرى، ولأن سؤال الجدوى ما زال قائما، حول فائدة الجهود الميدانية أو الإعلامية والإلكترونية، فحتى لو افترضنا جدلاً أنها لن تضيف شيئاً ملموساً للأسرى في قضيتهم، فيكفي ما ستضيفه لنا نحن، ولكل المنخرطين فيها والساعين لتوسيع دائرتها، لأن حال الواقفين خارج حدود الزنازين يقول إنهم أسرى سجون من نوع آخر؛ أسرى الضعف والوهن وقلة الحيلة واللامبالاة وجمود الحس الوطني، وانخفاض منسوب الانتماء العام.

وكل هذه الآفات لا يداويها إلا حراك ميداني متواصل، ولا ينهض بروح الجماهير إلا أن تعود ذاكرة الفداء إليها، لتعي أنها ما زالت تواجه احتلالاً وتعاني من تبعاته، وتحتاج لأن تجمع شتات طاقاتها وتجهز نفسها لجولة مواجهة جديدة معه ستأتي عاجلاً أم آجلا.

الاثنين، 5 مايو 2014

الأسرى والشارع، من يملك الحسم؟



الأسرى والشارع، من يملك الحسم؟
لمى خاطر



كنت كتبتُ قبل يومين: "إن قضية مثل إضراب الأسرى في سجون الاحتلال لا تتكرر كثيراً، والإضراب الجماعي السابق كان قبل عامين.. أي أنها تستحقّ أن يستنفر المرء نفسه وأهله لأجلها، ويتخلّى لعدة أيام عن راحته ونمط حياته الاعتيادي للمشاركة اليومية في إسناد الأسرى ميدانيا إلى أن تتحقق مطالبهم.. وإن كان العوام يشقّ عليهم ذلك، فصاحب القضية وحامل الفكرة لا يُقبل منه سلوك مماثل، ولا أن يتذرّع بأعشار الأعذار للتخلّف عن التضامن والمساندة وتكثيف رسالة الميدان."

وحتى الآن، لا نملك القول إن تفاعل الشارع الفلسطيني على وقع إضراب الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال مشابه لتفاعله خلال إضراب الكرامة عام 2012، رغم أن الأسرى المضربين في رسائلهم يعوّلون على نصرة الشارع وتضامنه، وتفعيله اليومي للحدث بحيث يتقدّم في الأولويات الوطنية على غيره في هذه المرحلة، لأن الوقت عامل مهم في الإضراب، ولا يحتمل الأمر انتظاراً وتململاً لارتباط القضية بحياة الأسير وصحته، وضرورة دعمه وتوفير عوامل ضغط إضافية على الاحتلال لإرغامه على الرضوخ لمطالب المضربين، خصوصاً أن قضية الاعتقال الإداري تمسّ قطاعاً عريضاً من الفلسطينيين ممن اكتووا بناره سنوات طويلة في السجون على مدار مراحل الصراع مع الاحتلال.

وإن كانت غايات ورسائل الفعاليات الجماهيرية متنوعة، بين التضامن والتفعيل الإعلامي والدعم المعنوي واستنهاض الشارع، وصولاً إلى الضغط على الاحتلال، فإن الغاية الأخيرة (أي الضغط على المحتل) ينبغي أن تظل في بؤرة الاهتمام والتفكير، إلى جانب الغايات والرسائل التي تؤديها الفعاليات التي مجالها مراكز المدن والبلدات المخيمات.

غير أن تقصير أيام الإضراب يمكن أن يبدأ مع امتداد تحرك الشارع إلى حواجز الاحتلال ومناطق التماس، لأنه في هذه الحالة سيضرب على الوتر الأكثر حساسية لدى الاحتلال وسيوقظ هواجسه الأمنية، وتحديداً خشيته من اندلاع انتفاضة جديدة، وانفلات الأوضاع وخروجها عن السيطرة. لكن الغريب أن تجد من يرى في هذا النمط من التحرك خروجاً عن السلمية، فيما يبدو أن مفهوم المقاومة السلمية في عرف السلطة في الضفة لا يعني سوى أن تكتفي بشتم الاحتلال داخل المدن، وبعيداً عن التماس المباشر معه!

ومن جهة أخرى، فإن لم تتطور تحركات الشارع وتستقطب قطاعات واسعة من الجمهور، سواء بأشكالها التضامنية أم بتلك الضاغطة على الاحتلال، فسيبقى الرهان الحقيقي في هذه المعركة متركزاً على أمعاء الأسرى المضربين وصبرهم وقوّة تحملهم، وسيكون مفتاح الحسم بيدهم وحدهم رغم أن معركتهم ستكون طويلة وشاقة. أما إن شهد الشارع انتفاضة حقيقية لأجل الأسرى فسيكون ممكناً التعويل على دور حاسم له، وسيكون ممكناً أيضاً الاستبشار بإمكانية حدوث انتفاضة شعبية واسعة فيما بعد، تكسر حالة الجمود وتفرض وقائع جديدة. وإلا فسيبقى التعويل على الدور الشعبي مجرد أوهام وأمنيات، وسيكون من الأجدى النظر في آليات تغيير أكثر جدوى وفاعلية، ليس فقط فيما يخصّ قضية الأسرى، بل تجاه مجمل قضية الصراع مع المحتل.