جناية أوطاننا على أحرارها
لمى خاطر
منذ أن تابعت الجلسة الأولى لمحاكمة الرئيس المصري محمد مرسي، ثم ما
تلاها من محاكمات أغلقَ آخر فسحة من نزاهتها ذلك القفص الزجاجي الذي حُبس فيه
الرئيس مرسي وإخوانه، أيقنت أن هذه الأوطان ما زالت مسكونة بعشق أبله لمن يحسنون
إرهابها وحسب، وأن صمام احتياجها للحرية ينفلت على آخره إذا ما منحتها صدفة
تاريخية رئيساً بمواصفات مدنية وبنهج (ناعم) يحاول تطبيق أو مسايرة المبادئ التي
تتشدّق بها أفواه المنتسبين زوراً للتيارات الداعمة لقيم العدالة والكرامة والحرية،
والذين يسهل انقلابهم على مبادئهم إن رأوا مصالحهم في ركب تيار البطش والاستبداد!
فهذه الأوطان ما زالت أسيرة موروثات اجتماعية وسياسية لا تفقه سوى
منطق التغلب، مقابل الاستخفاف بصاحب السلطان الضعيف حتى لو بدر منه احترام لكرامة
الناس وحقهم في التخلص من هواجس الخوف التي تطارد أحلامهم.
ويبدو الآن أن مرحلة الرئيس مرسي كانت لازمة فقط لكي تعين أذهاننا
اليوم على استحضار هذه الحقيقة المؤلمة والمزعجة والباعثة على ازدراء كل الظروف
وصانعيها، ممن كان لهم دور في تكريس عبودية الهيمنة والانصياع لكل ما تنتجه
وتسويغه اقتناعاً أو خوفا.
ولذا كان علينا وما زال واجبنا أن نبحث عن حريتنا الداخلية المسلوبة
بالتزامن مع نشدان حرية أوطاننا والتنظير اللامحدود لها، وكان علينا أن نفهم ما
يلزم للتعامل مع خصائص مجتمعات تغريها القوة الباطشة بالتأييد الأعمى أو الصمت
المرتجف.
وليست مصر وحدها قطعاً من تغشاها هذه العقد الاجتماعية والسياسية
القادرة على الغدر بثوراتها النظيفة، لأن ما يوحّد بلادنا العربية فعلاً ليس
رابطتها القومية، بل تلك الخصائص النفسية الغريبة لمواطنيها، أو للفئة الطاغية
منهم القادرة على العبث بالمزاج العام وتنويمه مغناطيسياً دون أن تلفت انتباهه
لورطة التناقضات التي يغرق فيها.
هذا الافتتان بالبطش وبلغة الدوس على الخصوم، سيظل النصل الذي يسفك دم
رقابنا كلّما استبشرت بالمستقبل، ولو لم تكن كذلك لما وجدتَ عسكريا مثل السيسي
أمثولته الوحيدة في بلاد العرب أنه جزار وغادر، وهي أمثولة لم تضخم من حجمه إلا في
بلادنا بينما ظل صغيراً في اعتبارات الآخرين حتى أولئك الذين تطلعوا للتحالف معه
لأجل مصالحهم، وكانت تجليات ذلك واضحة مثلاً في زيارته الأخيرة لروسيا.
ولعل حرية لا تنتزع بقوة السلاح ثم تفرض بقوة العدل المسلّح لا تناسب
أوطاننا، لأن يقينها بكذب الشعارات جعلها تستهين بكل من لا يخاطبها من خلف هالته
العسكرية، أو محاطاً بحملة النياشين!
ربما ما عاد منطقياً القول إن الرهان على الأقلية الفاعلة في المجتمع
سيكسب في النهاية، لكن كل يوم يمرّ دون أن يبسط المستبدون سلطانهم وينعموا باستتباب
التبعية لهم يعني إنقاصاً من عمر وخرافة الزعامة الباطشة.. ولكن في المقابل يبدو
واضحاً أنه ما زال يلزمنا الكثير من الأيام والأعمار والدماء قبل تجفيف مستنقعات الاعتناقات
البلهاء للسطوة، والقضاء على رؤوس الأفاعي كلّها التي تبث سموم وهمها في عروق
وعقول الأجيال!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق